يمثّل معرض "محمد المليحي: 1959-1971" دراسة لحياة وحصيلة هذا الفنان المغربي خلال ستينيات القرن العشرين. وبإجمالي 13 عملاً من مجموعة "متحف: المتحف العربي للفن الحديث" - منها "تكوين" (1959) و"بدون عنوان" (1970-1971) - يُقدّم المعرض نتاج الفنان المولود في مدينة أصيلة سنة 1936، كما يستقصي فضوله لسبر معالم الأنظمة الإيديولوجية والعلمية والسياسية في المجتمع الحديث. تشكّلت هذه النظرة خلال سنوات التكوين إبان إقامته في كلّ من أوروبا بين عامي 1955 و1962 والولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 1962 و1964، قبل العودة إلى المغرب سنة 1964. وكلها كانت عبارة عن تجارب أتت في خضمّ تغييرات جيوسياسية كبيرة وأحداث هامة كالحرب الباردة واستقلال المغرب والجزائر، وكذلك حرب سنة 1967.
خلال سنوات دراسة الفن في روما بين عامي 1957 و1960، انعكست صلات المليحي مع مفكرين في مجالات الفلسفة والسيبرنيطيقا (علم القيادة والتحكّم) ونظريات الأنظمة بتقديم سلسلة أعمال كولاج ولوحات عمودية رمادية وسوداء اللون تطغى عليها تنويعات على شكل الخطّ، مثل عمله "تكوين" (1959) الذي يعالج أفكاراً تتمحور حول المعرفة والسببية. وابتداءً من سنة 1962، كانت الحقائق المادية والنفسية التي لمسها في نيويورك مصدر إلهام لسلسلة لوحات تستقصي مفهوم التكنولوجيا وحالة الإنسان. يتم توظيف المربّع في هذه الأعمال بشكل متكرر كنوع من الإحالة لتطور الرقاقات الحاسوبية لشركة IBM، والطاقة المتولدة من أضواء المدينة، والأنظمة الشبكية، والمباني العالية، بحيث تقدّم تجربة حضرية غامرة وصفها الفنان بأنها "تطفو في العالم الجديد".
عاد المليحي إلى المغرب سنة 1964، أي بعد تسع سنوات من نيل البلاد استقلالها. وفي لوحاته من هذه الفترة، تحوّلت الموجة إلى مفهوم مركزيّ متداخل مع الماء باعتباره نظاماً عضوياً، ومع الأمواج الصوتية في تكنولوجيا الاتصالات، ومع أصداء الأفكار الجديدة ضمن مجتمع مغربيّ يُعالج مفاهيم الهوية الوطنية والفردانية والمساواة في إطار الوعي الجمعي والعالمي. ومن نشاطه كفنان ومدرّس ومفكّر، لطالما ربط المليحي بين اللغة والجغرافيا والتاريخ واستقصى عوالهما مُقدّماً أشكالاً جديدة لتعبير إبداعي يُشكل صلة بين ماضي وحاضر الإرث الثقافي للمغرب.
انطلاقاً من الخط ووصولاً إلى المربّع والموجة والدائرة، تتبنى هذه الأعمال المرتّبة زمنياً استخداماً تجديدياً للألوان والأشكال الهندسية بحيث توثّق ابتكار لغة مشفّرة تتحدى التباينات الأيديولوجية بين الاصطناعي والطبيعي، وبين الشرق والغرب، وبين التقاليد والتقدّم.
القيمون على المعرض لورا بارلو