سيرة ذاتية
كان عبد الحي مسلّم زرارة فناناً ذاتيّ التعلّم، كرّس إبداعاته لتكون بمثابة توثيقٍ ودليل للأحداث السياسيّة المرتبطة بالانتفاضة الفلسطينيّة. تتميز أعماله بتصوير المناضلين من أجل الحرية والنزوح والاعتداءات على المدنيين والسجن والتجمعات القروية التقليديّة وانفعالات رجل يحب امرأة أو يضطر إلى تركها، وتصوير جمال المرأة وقوتها أو تضامنها. تحمل أعماله الفنية اسمه الأول - وهو الاسم الذي كان يُسمّى به عادةً - بدلاً من كنيته. بدأ عبد الحي مسلّم بإضافة "زرارة" إلى اسم عائلته حوالي عام 2006.
وُلِد عبد الحي عام 1933 في الدوايمة غرب الخليل في فلسطين الانتدابية. توفي والد عبد الحي عندما كان في الخامسة من عمره. نشأ مع والدته وخمس شقيقات، وأعالوا الأسرة من خلال الزراعة وإدارة معصرة زيتون في منزلهم. وفي عمل "بيت أم عبد الحي" (1990)، صوّر نفسه كصبي صغير على شجرة رمان يراقب من بعيد تجمّعات نساء القرية في بيت والدته. كان يحضر حفلات الزفاف حيث كانت العرائس تُحمل على الجمال، وكان يقضي وقته في مضافة الرجال، حيث تعلم أخلاقيات وآداب التجمّعات الاجتماعية. وقد صوّر هذه المناسبات لاحقاً في سلسلته "تراث"، ومن ضمنها الغناء والرقص في "رقصة السامر التقليدية" (1990) و"صيام رمضان" (2002).
لقد رسّخت تجربته الغنية في القرية في ذاكرته العديد من الأغاني والعبارات التقليديّة والثورية المرتبطة باللوعة والحنين. وبعد عقود، استرجع هذه الأبيات لينقشها على حواف أعماله الفنيّة.
تجدّدت ذكرياته عمّا شهده من أحداث ثورية عامي 1936 و1939 ضد جيش الانتداب البريطاني والأعمال الانتقامية ضد شعبه عندما هاجمت الميليشيات الصهيونية القرى الفلسطينية، بما فيها الدوايمة، خلال النكبة. في يوم الجمعة، 28 أكتوبر 1948، ارتكبت الميليشيات الصهيونية مجزرتين بحق مئات من جيرانه. فرّ السكان إلى القرى المجاورة، غير قادرين على العودة، فانتقلوا للعيش في مخيمات اللاجئين التي أُقيمت في المنطقة. هاجرت عائلة عبد الحي إلى أريحا ومخيم العرّوب قرب الخليل. كان لعائلته، وعلى وجه الخصوص زوجته رسميّة علي أبو حسين التي تزوجّها عام 1951، دورٌ بارز في دعم مسيرته الفنية. انتقل إلى مخيم عين السلطان قرب أريحا، حيث عمل مع فريق بريطاني للتنقيب عن الآثار. ساعدته هذه التجربة لاحقاً على الالتحاق بالقوّات الجويّة الأردنيّة عام 1955 للعمل فني كهرباء. بعد أحداث "أيلول الأسود" العنيفة عام 1970، ترك عبد الحي الجيش الأردني لينضمّ إلى حركة فتح الفلسطينيّة المنتقلة من عمان إلى دمشق. في عام 1971، أرسلته فتح إلى ليبيا، حيث انضمت إليه زوجته مع أبنائهما. مع إحباطه بسبب البعد عن جبهة القتال، بدأ عبد الحي بإنشاء تكويناتٍ صوّرت البنادق والمقاتلين في سبيل الحرية، مشكّلاً إيّاها من خليط من نشارة الخشب والغراء، وطلاها بعد جفافها. وُجّه لعرض أعماله في الجناح الفلسطيني بمعرض طرابلس الدولي عام 1972. وبمساعدة فرع طرابلس للاتحاد العام لطلبة فلسطين، أقام أول معرضين فرديين له في ليبيا عام 1978. وقد تفاعل الصحفيون باهتمام مع معارض عبد الحي الذي علّم نفسه بنفسه.
في عام 1979، دُعي عبد الحي إلى المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين في بيروت، حيث التقى بفنانين فلسطينيين آخرين، بمن فيهم مصطفى الحلاج (1938–2002) الذي سيصبح صديقاً مقرّباً. في العام ذاته، عاد عبد الحي إلى دمشق مع عائلته واستقر في مخيم اليرموك. قسّم الفنان وقته بين مرسمه و"قسم فتح للفنون في بيروت"، حيث عمل مع الحلاج ومنى السعودي (1945–2022). أدار عبد الحي مع الحلاج صالة ناجي العلي للفنون الجميلة في دمشق بين عامي 1982 و1991، وذلك على مدى يقارب عقداً من الزمن.
كرّس عبد الحي وقته لفنّه، فحوّل تدريبه العسكري في زغرب إلى فرصة للإنتاج والعرض. هناك، طعن في ادعاء امرأة بشأن أصل فستان فلسطيني حصلت عليه من تاجر إسرائيلي في القدس. أعادت هذه الحادثة إلى ذهنه ذكريات قريته، فانخرط عند عودته بتوثيق أنماط التطريز البديعة والتقليدية الريفية الملونة من فلسطين ما قبل عام 1948.
كان حصار الجيش الإسرائيلي لبيروت عام 1982 لحظة مفصليّة في مسيرة عبد الحي الفنيّة. شكل هذا الحدث نقطة تحول هامّة في النضال الفلسطيني، وترك أثراً عميقاً في عبد الحي. أقام مشغلاً في شارع الفكهاني، وأنتج 14 عملاً عن القصف والقذائف التي تعرضت لها المدينة خلال الحصار الذي دام ثلاثة أشهر. زارته شخصيات بارزة، مثل ياسر عرفات وصحفيين، لمشاهدة أعماله. صعد هو وأعماله الفنية على متن السفن التي رحّلت المقاتلين الفلسطينيين إلى تونس، وبعد بضعة أشهر، عاد إلى دمشق مع سلسلة "حصار بيروت" (1982).
أضاف عبد الحي إلى السلسلة أعمالاً جديدة مثل "الخروج من بيروت إلى البحر" (1983)، وهي سلسلة صوّرت الرحلة المروعة التي خاضها الشعب الفلسطيني من بيروت إلى البحر أثناء الحصار. وقد عرضها في مختلف المدن السورية وفي غوتنبرغ وهلسنكي وستوكهولم عام 1983. صوّر الفنان أحداثاً بارزة مثل اغتيال ناجي العلي واندلاع الانتفاضة عام 1987. لقد أنتجَ مجموعة كبيرة حول حركات النضال الرفاقية في أيرلندا وأميركا اللاتينية وجنوب فيقيا. من أبرز أعمال هذه السلسلة لوحة "إعدام الشاعر بنيامين مولواز" (1985)، صوّر فيها الناشط السياسي والشاعر كحمامة مصلوبة تمتد أجنحتها فوق عمارة ريفية إفريقية.
في بداياته، لم يصوّر عبد الحي إلّا شخصية مناضلة واحدة. لاحقاً، اختبر استخدام عجينة نشارة الخشب لإنشاء منحوتات نافرة فوق صورة فوتوغرافية، وقد مثّل هذا الاستكشاف تحوّلاً بارزاً في أسلوبه الفنيّ وتقنياته. من بين الأعمال البارزة من تلك المرحلة "عملية ساڤوي" (1976) و"صُوْر، حصن الصمود" (1976)، ألّف فيها عبد الحي تركيبات تعبيرية صوّرت أجساد المقاتلين وبنادقهم فوق الخرائط، بالإضافة إلى كوفيّات تتطاير. جرّ هذا الاستكشاف للمنحوتات النافرة الملونة ومشاركته النشطة مع مجتمع الفن من خلال المعارض الجماعية انتقادات من أقرانه فيما يتعلق بمبادئ الرسم. دفعته ردود الفعل إلى ضبط ألوانه أحياناً، لا سيما في سلسلة "حصار بيروت"، مثل "هدم مبنى عكار" (1982). صوّر بعض العادات والتقاليد الفلسطينية الفلكلورية بثنائيات لونيّة، لكنه عاد لاحقاً لطلائها كاملةً، كما هو الحال في لوحة "حناء العروس" (1995).
عاد إلى عمّان عام 1992، وعمل على نقل أعماله الفنيّة الأربعمئة من مخيم اليرموك إلى مرسمه في جبل القصور. في عمّان، ومن بين أعماله التي تستحضر صمود المرأة في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، أنجزَ "حمامة من أميركا" لراشيل كوري في رفح (2003)، و"زيتون محفوظة" (2006)، و"الهولوكوست في غزة" (2009). بقي في عمان حتى وفاته في الأول من أغسطس 2020.