السيرة الذاتية
وُلِد أرناؤوط في العاصمة السورية دمشق في الحادي عشر من فبراير عام 1936 لعائلة من أصول ألبانيّة. هاجرت عائلته من كوسوفو خلال هجرات الألبان إلى دمشق واستقرت في حي الديوانية، وكانت والدته شاعرة بالألبانية. تُظهر أعماله المبكّرة سمات تعدّدية التخصصات، حيث جمع بين الفنون الجرافيكية والرسم وتصميم الديكورات والأزياء والتدريس، مستكشفاً التداخلات بين هذه الحقول.
شارك في معرض دمشق الدولي الأوّل عام 1954 وهو في الثامنة عشرة من عمره. ثم أصبح مصممّاً جرافيكيّاً لملصقات المعرض للأعوام 1968، 1969، 1975، 1976، 1977، 1979، 1980، 1981، 1982، 1984، 1987، 1988، 1989، وذلك بالإضافة إلى العديد من الملصقات للفعاليات الثقافية. في عام 1960، صمم الهوية البصرية الكاملة للتلفزيون العربيّ السوريّ. أقامَ معرضه الأول للوحات في مارس 1961 في صالة الفن الحديث، وصمم الأزياء والديكورات للمسرح. بعد معرضه الأول، سُئل في مقابلة مع صحيفة الوحدة اليومية عن رأيه في الفن الحديث والذي كان: "إنني ما أزال آخذ مواضيعي من العالم الخارجي، وبالرغم من أنني بدأت بتحطيم الشكل بصورة جدية وتخلصت من لون الأشياء الطبيعي عندما أردت ذلك، فإنني أشعر بأنني آخذ من العالم الخارجي أكثر مما يجب". في منتصف خمسينيات القرن الماضي، تشارك أرناؤوط مرسمه مع الفنانَين مروان قصاب باشي (1934–2016) ونعيم إسماعيل (1930–1979). كانت أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات فترةً زاخرة بالنشاط الفنيّ والفكريّ له. فاز بجوائز رفيعة عن أعماله منذ عمرٍ مبكر، منها ملصق "مهرجان القطن" السابع في حلب، وصمّم أغلفة العديد من ماركات السجائر السورية.
شهد عمله الفني تحوّلاً بارزاً راجعاً بشكل أساسيّ إلى عمله كمصمّم جرافيكيّ. تسجّل لوحات أرناؤوط المبكرة انتقالاً من التشخيص إلى التجريد متأثراً بأعمال بول كلي. تواجه الشخصياتُ ذات العيون البيضاوية الكبيرة، العميقة والداكنة غالباً، المُشاهدَ مع عناصر مستوحاة من الزخارف النسيجيّة السورية والنقوش والأنماط المحيطة. يستخدمُ مفردات العمارة التقليديّة مع تحديثها إما بمزج الهندسة والتجريد أو بتبسيط الأشكال. تغلب الألوان الزاهية، وتحل السطوح اللونية محل الزخارف تدريجياً.
أصبح نوع "الخط الأرناؤوطي"، الموفّق بمثاليّة بين التراث والمعاصرة، علامته المميزة. عملَ على تطوير هذا الخط وحسّنه على مدار عقدين من الزمن، وكان لذلك دورٌ محوري في رحلته الفنيّة. إن هذا النوع الخطيّ، الذي بسّط الكتابة في فن الخط، تجاوز حدود التصميم مضمنّاً الكلمات والمعنى والشعر. في مقال نُشر بعد وفاة الفنان، أوضح أمين قسم الفن الحديث في المتحف الوطني بدمشق حسن كمال هذا التداخل في العمل الفنيّ: "كان يحمل فرشاةً في يده كفنان وقلماً في الأخرى ككاتب وشاعر". أشارت ياسمين نشابة طعان في كتابها "عبد القادر أرناؤوط: التصميم شعراً بصرياً"، إلى أنّه لا حدود بين هذين الحقلين، فقد غذّى الفنان كل واحدة من ممارسته كما لو كانت الكلّ.
في عام 1962، سافر إلى إيطاليا ليدرس في أكاديمية روما للفنون الجميلة، حيث تخرج فيها عام 1964. في أوائل الستينيات، كانت روما ملتقىً لفناني الشتات العربي. أصبح صديقاً لكمال بلاطة (1942–2019)، الفنان الفلسطيني الذي شاركه الاستوديو. شارك أرناؤوط في بينالي البندقية الثاني والثلاثين، الذي أشرف عليه أمبرو أبولونيو عام 1964. حاز على جوائز عن ملصقاته (الجائزة الأولى لمدينة تريفي، والجائزة الأولى لأفضل ملصق في المعرض الثاني للآثار الرومانية).
أثناء وجوده في روما، ساهم أرناؤوط في المنشورات السوريّة، مصمماً أغلفة كتب وملصقات وكتالوجات. أمضى عدة سنوات في تصميم المواد البصريّة، بما في ذلك كتالوجات وملصقات معارض الفن الحديث في المتحف الوطنيّ بدمشق. صمّم أرناؤوط أيضاً أغلفة كتالوجات معارض رسمية نظّمتها كل من وزارة الثقافة والإرشاد الوطني ونقابة الفنون الجميلة. ورغم نجاح مسيرته الفنية في إيطاليا، عاد إلى دمشق عام 1967. حضر معرض الخريف التاسع في المتحف الوطني بدمشق، والذي عُقد في سياقٍ خاصٍّ متعلّق بالغزو الإسرائيلي لسوريا في يونيو 1967. كان لهذه الحرب أثرٌ بالغ على العديد من الفنانين الذين تبنوا فيما بعد قناعاتٍ قوميّة عربيّة ومناصرة للقضية الفلسطينيّة، كان أرناؤوط من بينهم. بعد بضع سنوات، في عام 1971، أنتج سلسلةً من الملصقات، باستخدام الأسلوب الجرافيكي الحديث الذي طوّره، للإبراز أفكاره والتعبير عن رفضه للعدوان الإسرائيلي.
في دمشق، انخرط أرناؤوط في تأسيس "جماعة العشرة"، والتي ولدت فكرتها عام 1965 وأقيم أول معرض لها عام 1969. كان أسعد عرابي (1941–) وغياث الأخرس (1937–) ونعيم إسماعيل (1930–1979) ونذير نبعة (1938–2016) وإلياس الزيات (1935–2022) من بين الفنانين الذين ضمّتهم هذه الجماعة، والتي تشاركت رؤية حول الفن العربي الحديث في بحثٍ عن هويّته. آمنت الجماعة بمزج الهندسة والتجريد والخط والشكل، ودافعت عن الفن الذي يخدم المجتمع. كانت معارضها في دمشق وبيروت وباريس منصة لفنانيها من أجل عرض رؤيتهم الجماعيّة والمبادئ التي دافعوا عنها.
لقد ذكر الناقد الفنيّ السوريّ طارق الشريف حول عودة أرناؤوط عام 1967 أنه لم يجد ما سعى إليه في روما. أدرك أنّ الإلهام التجريديّ والفنيّ يمكن إيجاده في الحياة اليومية والشعبيّة الدمشقيّة، وكذلك في الكتب العربية التقليديّة. علاوة على ذلك، ربما كان الشعور بالتضامن مع الفنانين العرب هو ما أراده أرناؤوط. شارك في تأسيس اتحاد الفنانين السوريين واتحاد الفنانين العرب في دمشق عام 1971.
درس أرناؤوط في باريس بين عامي 1971 و1973، وتخرّج في المدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية. طوّر أدواتٍ جرافيكية أصبحت لاحقاً أساسيّة في ممارسته الفنية. ووفقاً لابنه، سامي أرناؤوط، بدأ عبد القادر أرناؤوط في باريس بتطوير تقنيةٍ لممارسته الجرافيكية، والتي سجّلها عام 1985: استخدام الأفلام الفوتوغرافية وتركيبها فوق بعضها بعضاً لإنشاء وحداتٍ جاهزة لملصقاته.
قبل إقامته في باريس، تولّى أرناؤوط وظيفةَ في كلية الفنون الجميلة بدمشق. شغل منصب مُدرّس من عام 1969 إلى عام 1971. عاد إلى دمشق عام 1974، وعُيّن رئيساً لقسم فنون الديكور، حيث شارك رؤيته الحداثية مع الفنانين الشباب لمدة 20 عاماً حين عمل مدرساً وأستاذاً في كلية الفنون الجميلة بدمشق. أسّس قسم الاتصالات البصريّة وترأّسه حتى وفاته. كما لاقت أعماله الجرافيكية والبصرية صدى عالمياً، فأُقيمت له معارض في باريس وروما وبريشتينا ووارسو. كان أرناؤوط، الذي تحدّثَ أكثر من ست لغات، منفتحاً على مختلف الثقافات ونهوج التواصل والتفكير.
بملصقاتٍ خالدة في التاريخ لجرأتها وحداثتها، شكّلت ثمانينيات القرن الماضي فترةً زاخرةً بأعماله. شمَلت هذه الملصقات ملصق دورة الألعاب المتوسطية العاشرة في اللاذقية عام 1987، عبارة عن إعادة صياغة لأبجدية أوغاريت، وكذلك ملصق مهرجان تدمر الرابع عام 1985، المستوحى من نقشٍ بارزٍ لمدخل المعبد. أنعشَ الفنان لغته البصرية باستخدام عناصر من الواقع والهندسة والرموز. في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، صمّم العديد من شعارات الشركات والهويات البصرية.
توفّي الفنان، متعدّد التخصّصات وأحد الشخصيات التأسيسيّة للحداثة السورية والعربيّة، مبكّراً عن عمر السادسة والخمسين في دمشق في 13 أغسطس 1992.