السيرة الذاتية
وُلدَ أسعد عرابي عام 1941 في دمشق لأبٍ لبنانيّ وأمٍ سوريّة. عملَ والده في مجال النقل بين سوريا ولبنان ما أتاح له زيارة لبنان في طفولته وقضاء أوقات في صيدا منبت عائلته. أمضى أسعد معظم طفولته في دارٍ دمشقيّة العمارة لجدّته من جهة والدته خيرية البهلول، وهي متصوّفة على مذهب عالم الدين الإسلاميّ محي الدين ابن عربي (1165–1240). كانت الجدّة تحتفظ بكتبٍ منها مخطوط عن الحرب والفروسيّة ورثته عن جدّها التركيّ، احتوى على رسوم منمنمات أصليّة، ويرجّحُ أسعد عرابي أن تاريخه يعود لعصر المماليك. كان لاستكشافه تلك الرسوم أثراً كبيراً على بدء مساره الفنيّ، وعلى رؤيته الفنيّة اللاحقة خصوصاً فيما يتعلّق بالمنظور والاتجاهات في اللوحة.
بدأ أسعد الرسم في سنّ الخامسة عشرة، وتتلمذ في المرحلة الثانويّة على يد الفنان ناظم الجعفري ( 1918–2015). التحق عام 1962 بكلية الفنون الجميلة بدمشق حديثة النشأة (تأسّست كمعهد للفنون الجميلة عام 1959 كهيئة تعليمية تابعة لحكومة الوحدة بين سوريا ومصر (1958–1961) وتخصّص بقسم الرسم الزيتيّ. كان من بين أساتذته محمود حماد (1923–1988) والإيطالي جيودو لاريجينا (1909–1995) وهما أبرز أستاذين ممن شجعوا على التجريد في تلك الفترة. تخرّج أسعد عام 1966 بمشروع صوّر بيوت دمشق وحاراتها ونسائها وبعض الأشكال الحيوانيّة، وكان في العمق ينتقد مشروع المعماري الفرنسيّ ميشيل إيكوشار (1905–1985) الذي هَدف إلى إجراء تعديلات على عمارة مدينة دمشق في الثلاثينيات في ظلّ الانتداب الفرنسيّ.
اعتُبرت أعماله رائدة على مستوى التعبيريّة في سوريا ومُنحت له درجة مئة من مئة، وهي المرة الوحيدة في تاريخ كلية الفنون لغاية اليوم. فورَ تخرّجه، عُين عام 1967 مدرّساً إلى جانب أساتذته وكان يتشارك التدريس في تلك الفترة مع فاتح المدرس (1922–1999).
في عام 1969، أسّس مع زملائه الفنانين "جماعة العشرة". دارَت بينهم حوارات كان هدفها تعزيز صوت الفنانين التشكيلين. تألّفت الجماعة من عبد القادر أرناؤوط (1936–1992)، وأسعد عرابي (1941–)، وغسان السباعي (1939–2015)، ونعيم اسماعيل (1930–1979)، وغياث الأخرس (1937–)، وأحمد دراق السباعي (1935–1987)، ونذير نبعة (1938–2016)، والياس زيات (1935–2022)، ونشأت الزعبي (1939–)، وخزيمة علواني (1934–)، وانضم إليها لاحقاً عبد الله مراد (1944–) ومنذر كم نقش (1935– 2019) وجمعت توجّهات الجماعة الفنيّة بين التعبيريّة والتجريد الغنائي. أقامت "جماعة العشرة" عدّة معارض في دمشق كما عرض بعض أعضائها أعمالهم في "غاليري وان" في بيروت عام 1970.
عام 1972 أقامَ أسعد معرضه الفرديّ الأوّل في بيروت في "غاليري وان". وفي عام 1973 تعاون مع القاص السوري زكريا تامر (1931–) لإنجاز كتاب للصغار تحت عنوان "الشمس العربية" تضمن نصوص تامر ورسومه، تلاه عدة تعاونات مشابهة.
عام 1975 توقّف عرابي عن التدريس وانتقل إلى باريس في العام ذاته. في باريس، التحق بالمدرسة الوطنيّة العليا للفنون الجميلة وتخرّج فيها عام 1983. ثم انخرط بالدراسة الأكاديمية النظريّة في جامعة السوربون باختصاص علم الجمال، حيث درسَ بدايةَ الفلسفة والموسيقا تحضيراً لبحثه الذي تناول العلاقة بين الموسيقا واللوحة، وحصل عام 1987 على درجة دكتوراة دوله (نظام فرنسيّ لدراسة الدكتوراة عبر ثلاث مراحل). خلال سنواته الباريسيّة كان نشاطه الفكريّ كثيفاً وقد كتب العديد من المقالات في المجلات والصحف العربية وقدّم عشرات الفنانين العرب في كتالوكات معارضهم وحاضرَ في مؤتمرات خصوصاً حول الفنّ الإسلاميّ وفنّ المنمنمات.
لم يعد أسعد للعرض في العالم العربيّ قبل عام 1993، حيث أقامَ معرضاً في غاليري "50x70"، اعتبَره مفصليّاً في مسيرته لأنّه جاء بعد طول انقطاع عن صالات العرض العربية. عام 1997 حصل على الجائزة الكبرى في النقد الفنيّ من بينالي الشارقة، ونشر على إثرها كتابه "المصوّر في مرآة الناقد". بعد ذلك تتالت عروضه بكثافة في العالم العربي، وفي عام 2007 بدأ تعاوناً مع غاليري "أيّام" نجم عنه سلسلة من معارض في دمشق، وبيروت، والقاهرة، ودبي، وجدّة.
أنتجَ أسعد عرابي خلال مسيرته الفنيّة مئات اللوحات ونشرَ مئات المقالات النقديّة لصحف مثل السفير والحياة، ويعتبر من أبرز من كتبَ عن الفنّ في العالم العربيّ. من أبرز كتبه: "صدمة الحداثة في اللوحة العربية" الصادر عام 2010 عن دار نينوى، و"شهادة اللوحة في نصف قرن" 2008 غاليري أيام. يعيش عرابي في باريس حيث مرسمه كائن في منزله.
يعيش عرابي ويعمل حالياً في باريس، حيث يقع مرسمه في شقته الباريسية.