الممارسة
أتاحت ذهنيّة التركيز لدى فخر النساء تطويرَ أعمالٍ مُبتكرة وخصبة على مدار 50 عاماً. كانت سريعة في العمل، موظفّةً طاقة قصوى لدرجة أنها تمكّنت من إنتاج أعمال تطلّبت الكثير من التكثيف، واستكشاف أنماط جديدة في الوقت نفسه تقريباً.
يتميز نتاجها بنهج تعبيري تجريدي غنيّ. لقد نقلت هيجان مزاجها المتقلّب إلى لوحاتها بتأثيرات مكثفّة شاملة. تُعرف أعمالها باختياراتها اللونيّة الوحشية وتباينات الأشكال وبالتراكيب الفريدة المازجة بين الزخارف الصغيرة المتناقضة مع الديناميكيات الإيمائية القوية، وضربات سكين التلوين الدقيقة على أسطح عجينيّة، وخطوط سوداء نابضة، والأسطح المتشققة. تشتهر زيد أيضاً بالأحجام الضخمة في العديد من أعمالها، والتي أنجزتها من خلال تثبيت القماش على الجدران ورسمها ذهاباً وإياباً. هي الرسامة الوحيدة من منتصف القرن العشرين التي عملت بانتظام على لوحات ضخمة.
فضّلت زيد منذ الأربعينيات الرسم بأحجام كبيرة بمتوسط مترين وأنتجت أعمالاً يتجاوز طولها خمسة أمتار لغاية منتصف الستينيات. أكبر لوحاتها هي لوحة "رحلة الإنسان إلى القمر" (1949)، بقياس 600 × 160 سم. ومع ذلك، وكما أشار الناقد الفنيّ تيرينس مولالي، يبدو الحجم غير ذي صلة، فإن ممارستها للرسم بارعة، بلغية في رؤيتها، واستثنائية في قدرتها على التعبير من خلال اللون.
بدأت زيد مسيرتها الفنيّة في أوائل الأربعينيات رسّامة تشخيصيّة تعبيريّة غزيرة الإنتاج. تتنوّع أعمالها بين اللوحات الرمزيّة والبورتريهات والعريّ ومناظر المدن والمناظر الداخليّة المزدحمة، جميعها مشغولة بألوان مشبعة وطبقات سميكة وخطوط سوداء وزخارف صغيرة مضبوطة. بعد مرحلة تحوّل عامي 1947 و1948 من مزج التشخيص مع مشاهد التجريد الرمزيّ والمناظر الطبيعيّة المشبعة بشبكات سوداء قِطريّة، اعتمدت ابتداءً من عام 1949 بشكل حصريّ التجريد لما يقارب عقداً من الزمن. لقد مرّت مرحلتها التجريديّة بأطوار أسلوبيّة عدّة: كانت بدايةً فترة تجريبيّة للمناظر الجوية للحقول الزراعية المتراجعة المجرّدة هندسياً، والتي عبرتها خطوط سوداء. بين عامي 1951 و1953، جرّبت فخر النساء زيد بعض التجريدات من تشكيلات حيويّة (بيومورفيكيّة) متموجة بشكل حرّ. وبعد تمكّنها، حوّلت تجريدات الحقول السابقة إلى جداريات ذات إيقاعات متعدّدة الألوان مضبوطة حسب التقسيمات التي مهّدت للأوب آرت. يعود الفضل في هذا الإنتاج بشكل كبير إلى الإلهام الذي استمدّته طوال حياتها من نظرية ڤاسيلي كاندينسكي الروحانية للفن التجريدي، والتي تعرّفت من خلالها على نهجها وتعبيرها عن حالتها الذهنية المتسامية أثناء العمل. يمكن إرجاع هذا الاهتمام إلى إصدار ترجمة فرنسية جديدة عام 1951 لكتابه "حول الروحانيّ في الفن" (1911) ضمن افتتاح معرضها الثاني في باريس. تُجسّد الأعمال التي أنتجتها خلال تلك الفترة بعضاً من مبادئ كاندينسكي: الإيقاع، والحركة "السيمفونيّة"، وتكرار الدرجات اللونيّة، والتقسيمات التركيبيّة "اللحنية" التي تبدو متعارضة، والتناغم الداخلي الكامن. لُوحظَ هذا الاستلهام من قبل معاصري زيد، ففي عام 1951، وصف الناقد جوليان ألڤارد عملها بأنه مذهل، ولحنيّ بالدقّة غير المتناهية، وسيمفونيّ على المساحات الواسعة.
انتقلَت منذ عام 1953 إلى مرحلة من الأعمال الفنيّة الأكثر انفراجاً والمرقّطة بشكل غنيّ ببقع لونيّة عجينية سميكة نابضةً بتراكيب فرعيّة لا تُحسّ بشكل مباشر. من التأثيرات المبكرة الأخرى على ممارستها كتابات شارل بلانك (1813–1882) مُنظّر اللون، الذي ألهم فناني ما بعد الانطباعية وحركتيّ "التقسيمية" و"التنقيطية". تتجلّى أفكار بلانك حول فصل الألوان إلى بقع فردية في فترات زيد التجريدية الوسطى. فلديها، لا تتفاعل الألوان لتمثل مشهداً تشخيصيّاً، بل تتجمّع في نغمات تجريديّة نابضة متعدّدة الألوان. بين عامي 1954 و1955، جدّدت زيد ذاتها بمرحلتين قصيرتين لاحقتين من لوحات صغيرة. أنتجت زخارف بدائية على لوحات قماشية داكنة، تلتها فترة قاتمة من الخطيّة التي تبدّت بتصويريّة بين عامي 1956 و1957. بعد توقفها عام 1958، عادت إلى الرسم مستلهمةً من سماء وبحر جنوب إيطاليا. قدّمت على قياسات كبيرة وصغيرة أشكالاً تجريديّة متدفقة وأعماقاً بحرية هادئة بأشكال حيوية ضبابية في نطاقات لونيّة باهتة، محزوزة جميعها بآثار سكين الرسم. لقد جرّبت أيضاً رسم صخور البحر. في الوقت ذاته، تخلّلَ أعمال فخر النساء زيد التجريديّة عالمان غامران ومذيبان للذات: الأسطح البحرية والأعماق والمناظر النجمية، مع تقديمات لعوالم ليليّة مجرّدة ممثّلة في شبكات ثنائية الألوان وعلامات سكين الرسم، ما يؤكد افتتانها الدائم بالكون.
تستحضر أعمال زيد الفنية الكبيرة السمو في اتساعها وامتدادها، إنها تعيد خلقه كتجربة نفسية. أمام تجريداتها الضخمة، ليس بإمكان المشاهدين التموضع في تجربة بصرية واضحة. يُجسّد السموّ لدى فخر النساء زيد حالة النشوة التي وصفَتها أثناء عملها. يتشابه ذوبان ذاتها في الرسم مع انغماس المشاهدين في أشكال أعمالها وألوانها وحركتها.
في منتصف الستينيات والسبعينيات، عادت زيد إلى التشخيص عبر رسم البورتريهات، حيث ركّزت على العمق النفسي على حساب التشابه في لوحات قماشية كبيرة الحجم ذات تمثيل ثابت مسطح أمامي لكامل الوجه وعيون موّسعة وحزوز كثيفة بسكين الرسم على طلاء عجينيّ سميك. لقد أظهرَت قوام وجوه وملابس الجالسين كأسطح تجريدية.
في الفترة نفسها، جرّبت طلاء عظام حيوانيّة صغيرة من بقايا مطبخها. ثم وبمساعدة صديق العائلة والفنان عصام السعيد (1938–1988)، طوّرت بين عامي 1968 و1975 عملية تغليف العظام الملونة ضمن قطع من البوليستر والراتنج الملون، وضعتها على حوامل دوارة ومضاءة من الخلف بمصابيح ملونة. أطلقت على هذه المنحوتات اسم "باليوكريستالوس".
في الثمانينيات، جرّبت زيد فن الزجاج المعشق، لكنّها توقفت عن ذلك نظراً للجهد البدنيّ اللازم. في الوقت ذاته، أصبحت لوحاتها الخاصّة لأصدقائها وعائلتها أبسط من حيث التكوين والملمس. خلال مسيرتها الفنيّة، أنتجت زيد وعرضت أيضاً لوحات تجريدية وتشخيصية من الغواش، وأحجار شاطئية مرسومة سُميت "أحجار مُعاد إحياؤها".
رغم أن أعمالها الطموحة في البداية تجاوزت أعمال نظرائها الرجال، إلا أن زيد اختفَت من تاريخ الفن الغربيّ بعد الحرب. تُرجع مؤرخة الفن سارة ويلسون ذلك إلى اختفاء أعمال الفنانات التجريديات العظيمات في باريس في منتصف القرن العشرين. خلال حياتها، ورغم إشادة النقاد والصحافة بها، عانَت فخر النساء زيد من النزعة الاستشراقيّة الجندريّة واعتبارات الأصول. بدايةً، رفضها بعض زملائها الرجال في اسطنبول في أربعينيات القرن الماضي معتبرين أنها هاوية، ثم أشاد بها نقاد باريس في الخمسينيات كأميرة من حكايات ألف ليلة وليلة وذلك نظراً إلى التحريم "الإسلامي" للتشخيص من خلال إعادة إنتاج أنماط الفسيفساء "البيزنطية" و"الفن الإسلامي". وفي حين أنها من أوائل رواد التجريد، فسّرَ بعض النقاد الأتراك والعرب أعمالها الفنيّة المختلفة جذرياً على أنها إعادة إنتاج لماضٍ أسطوري معشوق.
في الواقع، تبّنت فخر النساء زيد مصادر إلهام روحانية وتجريديّة، ونأت بممارستها الفنية – ولكن ليس بنفسها – عن التأثيرات الثقافية. صرّحت عام 1959 للكاتب إدوارد روديتي أنها لم تدرس الفن الإسلامي، ولم تعتقد بكونها فنانة في التراث التركي، إنما كان تعي دوماً أنها فنانة تنتمي إلى المدرسة "التجريديّة" ذاتها التي ينتمي إليها العديد من أصدقائها وزملائها الدوليين، وأنها رسّامة من "مدرسة باريس".
إضافة إلى ذلك، وصفَت زيد ممارستها الفنيّة كسعيّ للخلاص، وعملها كصلة مع الكون، عبر لوحاتها الفيّاضة من عمقها والمتجاوزة الجنس أو العرق أو الدين. شعرَت أثناء الرسم وكأن نسغ شجرة الحياة يصعد من الجذور إلى أحد أغصانها العليا، حيث تَصادف وجودها، متدفّقاً عبرها ليتحول إلى أشكال وألوان على قماشها. رأت نفسها وسيطاً يحمل ذبذبات العالم.
معارض استعادية ومجموعات
خلال حياتها، وبعد معارضها الاستعادية الرئيسية عام 1964 في تركيا، أقامت فخر النساء زيد معرضاً استعادياً في عمّان عام 1983، وفي متحف لودفيغ ساملونغ عام 1990. وفي عام 2017، أُقيمت لها معارض استعادية بعد وفاتها في متحف تيت مودرن بلندن، وقاعة دويتشه بنك كونست ببرلين، والذي عُرضت أعمالها بعدها بانتظام في أنحاء العالم، ولقد ازدادت شهرتها بالتوازي مع ذلك. أعمال زيد محفوظة حالياً في مؤسسة بارجيل، ومتحف برادفورد، ومتحف إلجيز، ومجموعات الدولة الفرنسية، وجوجنهايم أبو ظبي، ومجموعة هوما كاباجي، ومعهد العالم العربي، ومتحف اسطنبول للفن الحديث، والمتحف الوطني للفنون الجميلة في الأردن، ومؤسسة خالد شومان – دارة الفنون في الأردن، ومتحف: المتحف العربي للفن الحديث في قطر، ومتحف الفن الحديث في مدينة باريس، ومتحف لودفيغ، ومجموعة بابكو الفنية، ومؤسسة الشارقة للفن، وتيت مودرن، ومتحف رايت للفنون.