السيرة الذاتية
كان حسن شريف من أبرز الفنانين المفاهيميّن في دول الخليج العربي في أواخر القرن العشرين. لقد شغل دورَ الفنان بينما كان يخطّ لغات بصريّة جديدة وينشر مناقشات نقديّة حول النسيج السياسي والاقتصادي والثقافي للمجتمع. كان شريف متعدد الوسائط خلال مسيرته المهنيّة على مدار أربعين عاماً. لقد ركّب ضمن أكوامٍ ضخمة، وضعت على الأرض أو عُلّقت على الجدار، مجموعات من أشياء يوميّة مصنّعة أو تم العثور عليها، ونفّذ رسوماً ضمن ما سمّاه "semi–systems" (أشباه النُظُم) اختبرت الصدفة والمنطق، وقام بإجراءات وأداءات عن حركات الجسد المنتظمة، ونفّذ سلسلة تحت عنوان "كتب وصناديق" (books and boxes) ولوحات ومنحوتات خارجيّة. بمخاطبته تاريخ الفن العالمي وقراءته متعددة الأوجه للمعاصرة، وضعَ شريف لغةً مفاهيميّة أصيلة في الإمارات العربيّة المتحدة. لقد أثّر دوره التربوي كمدرّس ومرشد وكاتب ومترجم لنصوص عن الفن والثقافة والسياسة في ممارسته. وبذلك، نقل عمل شريف الإيمان بقدرة الفن الفاعلة في التغيير بوصفه ممارسة للالتزام النقدي بين الفرد والمجتمع.
نشأ شريف، الابن الثالث في عائلته، في حي الرفاعة في دبي. اتضّحت مهاراته في الرسم مبكراً أثناء دراسته في مدرسة "الشعب" في دبي في ستينيات القرن الماضي. بحلول السبعينيات، كان شريف ينشر بانتظام رسوماً كاريكاتورية ساخرة في الصحف والمجلات المحليّة مثل مجلة "نادي النصر الرياضي" و"أخبار دبي"، معبّراً بشكل فكاهيّ ولاذع عن قضايا سياسية واجتماعية. غادر شريف عام 1979 إلى المملكة المتحدة لدراسة الفنون الجميلة. أتمّ عاماً تأسيسياً في ليمينغتون سبا وتخرّج عام 1984 من مدرسة بيام شو للفنون في لندن (والتي ضُمّت لاحقاً في عام 2003 إلى كلية سنترال سانت مارتينز للفنون والتصميم). خلال دراسته وفي أوائل الثمانينيات، وضعَ شريف أساليب عمل توظّف مفاهيم التكرار والاستمراريّة والصدفة، والتي عرّفها باسم "semi–systems" (أشباه النُظُم)، وذلك بعد تجربته مع "فن النُظُم" Systems Art أثناء دراساته مع البروفيسور تام جيلز. قام بتطبيق أنظمة رياضية متغيرة وأنماط الأنساق العشوائية على البُنى العددية واللغوية والحركات الجسدية اليومية في مشاريع نُفّذت سواء على الورق أو كعروض أدائيّة في شوارع لندن، أو في صحاري وضواحي دبي في وقتٍ لاحق. قدّمَت تطبيقات "أشباه النُظُم" تلك لغةً بصريّة ومنهجيّةَ لنتاج أوسّسَ على شبكة واسعة من الأشكال والوسائط المتّصلة التي صنعها الفنان على امتداد مسيرته المهنية، والتي فكّكت وأعادت تركيب الممارسات والطقوس الاجتماعية وأساليب الإنتاج وتواريخ الفن بما في ذلك وقائع التعبيرية التجريدية وفن النُظُم وحركة فلوكسوس.
كانت "أشباه النُظُم" بالنسبة لشريف نشاطاً طقوسيّاً مُورسَ بشكل متكرّر، أو ربما يومياً. إن عَمل White Files (1981–1986) هو أبرز أقسام تلك المجموعة، وهو عبارة عن كتالوج لإجراءات قام بها على مدار خمس سنوات، جُمعت معاً في مجلّدين كبيرين مصنَعَين يدوياً من القماش والورق المقوّى. قُدّم للمرّة الأولى عام 1984 كمجموعة أعمال في مجلّد واحد وذلك خلال معرض أطروحته الجامعية في لندن. استمرّ العمل في التنامي، حتى تمّ في النهاية إدراج ملفّ ثانٍ لاستيعاب التوثيق الإضافي للمشاريع لدى عودته إلى دبي.
كانت عمليّة الصُنع في تلك المجموعات عنصراً جليّاً وجوهريّاً وَجبت مشاركته مع الجمهور. تألّف كلّ "نظام" من مجموعة فريدة من الأرقام المكتوبة ضمن شبكات بقلم الرصاص. طبّق الفنان منطقاً معيّناً لكل نظام ومجموعة من الأرقام، ثم بقلمه قادَ مساراً لوصل الأرقام والنقاط بالعلامات الخطيّة، ما أنشأ نمطاً جديداً. أصبحت الأشكال الهندسية التجريدية الناتجة مسوداتٍ تحوّلت بدورها فيما بعد إلى لوحات على القماش أو روليفات جداريّة خشبية ثلاثية الأبعاد.
احتوى White Files أيضاً على مواد من عروض أدائية وقتيّة في شوارع المملكة المتحدة والمناطق الصحراوية المحيطة بدبي، والتي وثّقت مساهمة شريف في الحركات العالمية الكبرى لفن الأداء وفن الأرض. وفيها نفّذ الفنان حركات روتينية انفعاليّة دمجت أفعالاً وأشياء يومية وإعدادات مكتوبة وأنظمة تعليمات المفروضة. في أحدها يُعقدُ حبلٌ، وفي آخر تُلقى الحجارة. لم تكن هذه العروض مفتوحة للجمهور، بل حضرها عدد قليل من الوسطاء، بمن فيهم شقيق الفنان. لقد أصبح التوثيق الفوتوغرافي والمكتوب لتلك الإجراءات هو العمل بحد ذاته، ما زعزعَ المبادئ التقليدية المتعلقة بالاستمراريّة والديمومة في الاتجاهات الطقوسيّة للممارسات الثقافية. كانت هذه العروض التي تعود إلى أوائل الثمانينيات من الأولى من نوعها في منطقة الخليج. أتت أهميّتها لأنها دمجت السياقَين الفنيَين في الإمارات العربية المتحدة ولندن، واستقدمت إلى المجتمع الفني المحلي في الإمارات منظوراً جديداً للفن المعاصر.
لعبَ شريف دوراً أساسياً في تطوير الممارسات الفنية والتفكير النقدي في المنطقة من خلال التعاون طويل الأمد مع أقرانه وتوجيه الفنانين الشباب. عمل شريف بدءاً من عام 1975 في وزارة الشباب والرياضة (التي أصبحت عام 1976 وزارة التربية والتعليم)، وهو المنصب الذي استمرّ فيه بعد عودته من الدراسة في المملكة المتحدة، والذي أدار من خلاله الصفّ الفني "ورش عمل الشباب في دبي". كما لعبَ شريف دوراً رئيسياً في تأسيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية عام 1980، وهي هيئة عُرفت بتصدّر التجريب الثقافي في المنطقة. كذلك أنشأ شريف عام 1984 دوريّة "التشكيل"، دوريّة فنيّة رفدَت المجتمع الفنيّ بمصدر تعليمي وبمنبر للخطاب النقدي. لاحقاً، أفضى تعاونه مع الفنانَين نجوم الغانم وخالد البدور وآخرين إلى إنشاء مساحة فنية تجريبية هي أتوليه المريجة للفن في الشارقة (1984–1985). وُفِِّرَت هذه المساحة من قبل دائرة الثقافة بالشارقة حيث نظّمت مجموعة الفنانين فيها معارض ومداخلات مستقلّة مثل "معرض اليوم الواحد" عام 1984. كذلك قادَ تعاون شريف مع أقرانه نجوم الغانم وخالد البدور ويوسف خليل إلى تشكيل "مجموعة أقواس" التي عرفت بمعرضهم الجماعي العفوي في سوق الشارقة المركزي عام 1985. في ذلك الوقت من الثمانينيات، أخذت علاقاته مع الفنانين محمد كاظم ومحمد أحمد إبراهيم وحسين شريف وعبد الله السعدي تتوطد، وتشكّلت بينهم صلات مديدة. لقد وسّع عملهم الجماعي والمستقلّ حدود المشهد الثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة. شارك العديد من هذه المجموعة في المساحة الفنية المستقلة "البيت الطائر The Flying House"، التي تأسّست في دبي عام 2007، والتي قدّمت ودعمت الإنتاج الفني المحليّ. مثّل توجيه شريف لمحمد كاظم واحداً من أقوى العلاقات في سياق الفن الحديث في الإمارات العربية المتحدة، وأوضح التزام شريف بدعم الفنانين المعاصرين الناشئين. لقد استمر هذا الالتزام ببناء المعرفة الجماعية، وتسهيل التعلّم والتعبير الإبداعي، طوال حياته المهنية، من خلال كتابة وترجمة النصوص حول الفن والثقافة، والتي تم نشر الكثير منها في "التشكيل". منذ بدايات الثمانينيات، نشر شريف تلك الكتابات باللغة العربية في صحيفتي الخليج والبيان، حيث وضع وجهة نظره ووجهات نظر أقرانه في خطاب عالميّ حول الفن البصري المتعلق بالموسيقى والفلسفة والأدب في فنون القرن العشرين.