سيرة ذاتيّة
يعتبر محمد راسم أحد أوائل الرسامين الجزائريين، وقد ولد في عائلةٍ من الحرفيين من أصولٍ تركيّة، عاش أفرادها وعملوا في حي القصبة في الجزائر العاصمة. كان والد راسم يعمل في الحفر على الخشب وطرق النحاس، في حين زاول عمّه النقش على أحجار شواهد القبور. أما شقيقه الأكبر عمر راسم، فكان خطاطاً كرّس كثيراً من حياته للدّين والسياسة، وعمل في وقتٍ لاحقٍ في تعليم فن زخرفة المخطوطات للطلبة الجزائريين خلال الحقبة الاستعمارية.
تربى محمد راسم على الالتحاق بأعمال عائلته. أتمّ تعليمه عام 1910 في مدرسة استعماريّة فرنسيّة لتدريب الجزائريين على المهن الحِرفيّة. أعجب بروسبر ريكارد، مفتش التعليم الفني والمهني في الجزائر آنذاك، بعمل راسم الاستثنائيّ، ما سهّلَ تعيينه رسّاماً في مكتب التصميم ضمن "دائرة الفنون الأصليّة". وكما أوضح الفنان: "منذ الرابعة عشرة، قضيت جزءاً من أيامي في الاستنساخ وتصميم نقوش السجاد، والتطريزات العربيّة، والزخارف على النحاس، والمنحوتات الخشبية، من أجل تزويد مدارس وورش الجزائر بالنماذج (وارد في كتاب بنيامين).
في مكتب الرسم هذا اكتشف محمد راسم المنمنمات الفارسيّة التي شكلت قاعدة إنتاجه طوال مسيرته الفنية. خلال محاولاته الأولى في الرسم، وفّر له عمه المشورة التقنية، في حين قدم له المستشرق الفرنسي نصرالدين دينيه، الذي دخل الإسلام (مولد باسم إتيين دينيه، 1861– 1929)، التشجيع، وكلّفه بمهمته الأولى: 15 صحفة كاملة من الكتابات القرآنية المنقوشة بالألوان في كتاب "حياة محمد، رسول الله" (1918) وكان دينيه قد ألّفه بالاشتراك مع سليمان بن إبراهيم (1870–1953). استمرّ راسم بإنتاج هذه الزخارف التقليديّة لغاية الأربعينيات.
عرض محمد راسم أعماله في "صالون جمعية الفنانين الجزائريين والمستشرقين" عام 1923، وحصل في العام نفسه على منحةٍ من بلدية الجزائر العاصمة وعلى وسام جمعيّة الرسامين المستشرقين الفرنسيين في باريس. أمضى بعد ذلك ثماني سنوات في باريس (1924 – 1932) حيث أنجز تزيين صفحات كتاب ألف ليلة وليلة من 12 مجلداً بتكليف من الناشر هنري بيازا (1861–1929). في العام 1933 أصبحَ أوّل جزائري يفوز بالجائزة الفنية الجزائرية الكبرى. وقد عُيّن مدرّساً في أكاديمية الفنون الجميلة في العاصمة الجزائرية، حيث أسّس مدرسةً للمنمنمات. توقّف عن رسم المنمنمات عام 1955 بسبب مشاكل في العين. بعد حصول الجزائر على استقلالها عام 1962، عُيّن مستشاراً لوزير الثقافة. عُرضت أعماله في أنحاء العالم في باريس والقاهرة وروما وبوخارست وستوكهولم وكوبنهاغن وتونس والجزائر، ويحتفظ الآن بالقسم الأكبر من مجموعة الفنان في متحف الفنون الجميلة في الجزائر العاصمة.
مزج راسم في لوحاته طريقة الرسم التقليدية للمنمنمات الفارسية والمغولية وتقنياتها، التي لم تكن تُمارس إلاّ نادراً في المغرب، مع المنظور الغربيّ من أجل تصوير الجزائر ما قبل الاستعمارة ولحظات ة واحتفالات دينيّ. شملت المواضيع في الغالب أحداثاً تاريخيّ
. تميز أسلوب راسم بهذا الدمج بين 1830الجزائر من قبل فرنسا في احتلالة التي كانت سائدة في فترة ما قبل من الحياة اليوميّ.لأسلوب الفارسي في تصميم الصفحاتاوتفضيله وألوانه الزاهيّة الغربية التقاليدو رسم المنمنمات التقليديّ
بفضل إلمامه الواسع بأساليب وتاريخ فن المنمنمات المختلفة، كان راسم يُطلق على لوحاته غالباً "الأسلوب الفارسي" أو "الأسلوب المصري"، وذلك حسب الأسلوب الذي استخدمه لاحقاً في مسيرته الفنية. قال في وصفه أعماله أنه أراد ترسيخ ذاكرة الثقافة العربيّة التي كان الاستعمار الفرنسي يُحرفها بشكل متسارعامين أن راسم كان يستخدم عمداً المنظور غير يمؤرخ الفن روجر بن . اعتبرَالمثالي والمحوّر نسبياً من أجل تأكيد هويته المغاربية ومن أجل إعلاء تقليد المنمنمات على النماذج الأوروبية. وتشهد لوحاته في صياغة البرتوكولات المُخزية للرسم تُعيد"والأزياء المحلية وللإشارات فهمه الدقيق إلى امين، يروجر بنر يشيالوقت ذاته، كما .الاستشراقيّ"
محمد راسم هو الفنان النادر الذي احتضنه المستعمرون الفرنسيون كما الوطنيون الجزائريون ومعهد العالم العربي، الذي نظم لأعمال الفنان معرضاً استعادياً عام 1992 بعد وفاته.