السيرة الذاتية
وُلد موبين أورهن في اسطنبول عام 1924. كان اسمه الأوّل، مصطفى، والذي لم يوقّع به أعماله، هو اسم جدّه الكبير الصدر الأعظم مصطفى رشيد باشا، سفير باريس ومحرر "فرمان الكلخانة". لقد أثّر وفاة والدته في عمر السادسة والعشرين في العائلة تأثيراً عميقاً، خصوصاً على موبين صاحب الستة أشهر. وفقاً لابنته بنيديكت وأحد إخوانه الأكبر سنّاً راجب، شكّل له غياب والدته، التي أعجبُ بها أبداً، هوّة روحيّة. كانت الطريقة الوحيدة لمواجهة أزمته هي بناء مسارٍ فنيّ يرتكز على الوجود وليس الغياب. بعد تخرّجه من مدرسة اسطنبول الثانوية الناطقة بالألمانيّة، درس أورهن في كلية العلوم السياسيّة في أنقرة. لقد أتمّ دراسته عام 1947 وقضى الشهرين اللاحقين مستغرقاً بحماس في الشعر. التقى بشعراء زمنه في "صالون" الآنسة ناهيت، شريكة أورهن فيلي، ومنهم أحمد حمدي تانبينار، وصباح الدين أيوب أوغلو، وحسن علي يوجيل. لدى عودته إلى اسطنبول، أرادت عائلته إرساله إلى لندن كي يتخصصّ في العلاقات الدولية، لكنّه عندما ترك مدينته الأم عام 1948، لم يتمكّن من الذهاب أبعد من باريس، حيث إنّه وبعد وقت قصير من مغادرته خسرَ والده ثروة العائلة في سوق الأوراق المالية.
في فرنسا، شرعَ أورهن بالبحث عن درجة جامعيّة تتناسب مع آمال والديه، واتصل بالفنان سليم توران، أحد أصدقاء طفولته. ولكون توران يألف الأتوليهات الباريسيّة أكثر من مدارس الاقتصاد المرموقة، قام بدعوة موبين إلى صفوف الرسم في أكاديميّة "لا جراند شوميير" وإلى نقاشات فنيّة كانت تُقام في حرم الجامعة. التقى أورهن بجان ميشيل أتلان - في إحدى هذه النقاشات وأصبح صديقاً لسيرج بولياكوف في أُخرى. ومع الوقت، ابتعد عن العلوم السياسيّة، مستغرقاً في تقنيّة نيكولا دو ستايل في الرسم، ونظريات كازميير مالفيتش وبيت موندريان وبول كلي في اللون والأبعاد. بل إنّه قد بدأ بعد ذلك بوقت وجيز بانتزاع أغلفة كتب الاقتصاد من أجل الرسم عليها. بعد وفاة موبين، وَهَبت ابنته بنيديكت أورهن أدواته الفنيّة إلى صديقه سليم توران. لقد كان هو من شجّع موبين للبدء بالرسم.
متماهياً مع حياته الباريسيّة، زارَ أورهن أوروبا، حيث ذهب إلى سويسرا وزار كولونيا وهامبورغ وكوبنهاغن. بعد مشاركته في معرض جماعيّ في جامعة باريس عام 1949، افتتح موبين معرضه الفرديّ الأول في ستوكهولم عام 1950. وفي عام 1952، نزلَ في المسكن ذاته مع فنانين من تركيا، بمن فيهم سليم توران وعابدين دينو وأفني أرباش. كما أصبح أيضاً صديقاً مقرباً لفكرت مولّا وألبرت بيتران اللذين كانا يترددان إلى ذلك النُزل. يَذكر دينو بأنّ موبين كان يستمع في غرفته في الطابق العلوي إلى مايلز ديفيس Miles Davis والملحن العثماني من أواخر القرن الثامن عشر ديدي أفندي.كان أحد التسجيلات الموسيقيّة التي رافقته أثناء عمله هو ألبوم يونس إمرِه لروهي سو، والذي عُزف في جنازة أورهن.
في أوائل الخمسينيات، ومثلما امتزجت الألحان في مرسمه، كانت طريقته الصوفية في البحث عن النور تنسحب ببطءٍ إلى التجريد الأوروبي، مما جعل فنّه يتميّز أكثر فأكثر. عام 1953، قُبل أحد أعمال موبين لـ "صالون الواقعيّات الجديدة" (Salon des Réalités Nouvelles)، معرض الفن التجريديّ الأشد تأثيراً في باريس ما بعد الحرب العالميّة الثانية. بعد عامين، تمتّ دعوته إلى الصالون مجدّداً. عُرضت أعماله أيضاً في أواخر الخمسينيات في "صالون كاباريزنس" وصالون "الفن في العالم وفي فرنسا". قضى أورهن صيف عام 1956 مع صديقه ألبرت بيتران في بلدة سان بول دي فانس قبلة الرسامين في جنوب شرق فرنسا. أثّرت هذه الإجازة بشكل كبير على فنّه، حيث حلّت هنا الكولاجات الهندسية محلّ لطخات اللون السميكة. في فبراير من عام 1957، تماماً بعد افتتاح غاليري إيريس كلير، شاركَ موبين في المعرض الجماعي الأول للغاليري مع العديد من الفنانين، بمن فيهم سليم توران. من ثمّ، استضافت إيريس كلير معرضاً فرديّاً لموبين في يونيو من العام ذاته. أشارت مراجعةٌ نقدية للعرض إلى التأثيرات الشرقيّة على لغته التجريديّة الغنائيّة. كانت الغاليري بعنوانها القائم في 3 من شارع مدرسة الفنون الجميلة، على وشك أن تصبح واحدة من أبرز منصّات المشهد الطليعيّ الباريسيّ. إنّ أبرز عرض في مسيرة إيريس كلير على الإطلاق هو ذلك الذي نظّمته لــصالون أبريل المصغّر (Micro-Salon)d'Avril عام 1957، والذي اشتملَ على 250 لوحة صغيرة الحجم لمئة فنان، منهم بيير أليتشينسكي، وعابدين دينو، وماكس إرنست، وجان فوترييه، تشارلز موشن، وبابلو وآخرين. وكان هذا هو المعرض الأوّل الذي قدّمت ضمنه إيريس كلير أعمال إيف كلان إلى عالم الفن في باريس. تعهّدت كلير، التي كرسّت لاحقاً كل وقتها المهني تقريباً لكلان، بدفع مخصّصات شهريّة إلى موبين حتى لا يشعر بالتهديد وكي يواصل معارضه التي كانت تحقّق نجاحاً باهراً. إلّا أن موبين بمجرّد تحرره من قلق كسب المال لتغطية إيجاره وشراء مواد الرسم، انغمس في بحثه في فنّ التجريد، والذي كانت كلير لا تولي له إلّا اهتماماً ضئيلاً. عام 1959، انفصل موبين عن كلير وبدأ العمل مع لوسيان دوران، واحدة أُخرى من الصالات الباريسيّة قويّة الأسُس، حيث التقى بمقتنيَيه الأكثر إخلاصاً روبرت وليزا سينسبري. في عام 1963، كان موبين من بين أحد عشر فناناً الذين تمّت دعوتهم إلى معرض "تحية إلى ديلاكروا" الذي أقيم في "غاليري7"، وكان من بين الفنانين أيضاً أنطونيو ساورا وأسغر جورن. قامَ الزوجان سينسبري بشراء عمل أورهن الذي حمل اسم المعرض نفسه.
عُرضت أعمال موبين أورهن لأول مرة في تركيا عام 1962 في معرض أقيم في "غاليري مدينة اسطنبول". وتوجّه الفنان إلى تركيا بعد ذلك بعامين لأداء خدمته العسكرية. وفقاً لتدوينات ابنته المتعلّقة بسيرته الذاتيّة، كان للإرث السياسي الذي حملته الأسرة منذ مصطفى رشيد دور حيّ في هذا القرار. يعتقد عابدين دينو أنّ موبين قد اختار وقتاً خاطئاً لمغادرة باريس، إذ كانت معارضه تسير على ما يُرام، وكانت أعماله تُقتنى. بالنسبة لعائلة سينسبري، كانت عودته إلى تركيا مفاجئة. روبرت سينسبري، الذي أبدى منذ أوائل الستينيات اهتماماً كبيراً بعمل موبين وبشخصه على حدِّ سواء، والذي تردّدَ إلى باريس مرتين على الأقل سنوياً لزيارته، كتب في رسالة إلى أورهن مؤرخة في 24 يونيو 1964، كيفَ شعر هو وزوجته أثناء زيارتهما باريس بفقدانه حيث كان يتساءل دوماً "آمل ألا يعني هذا أنك تركت الرسم." في اسطنبول، انتقل موبين إلى منزل أخته الكبرى جوليد وشرعَ بالعمل في شرفة المنزل على سلسلته "معركة موهاج". بدعم من موبين، تَحوّل دُكان مِلدا، حيث عُرضت هذه اللوحات، إلى غاليري "مِلدا كابتانا للفن" خلال السنوات التي تلَت. كان يشعر أحياناً بعدم الارتياح إزاء استجواب والده له حول دوافع لوحاته ومعناها، وما كان منه إلّا التهرّب من جميع الأسئلة وإهداء معرضه في بوتيك مِلدا إلى والدته المتوفاة. لاحقاً أشار مؤرخون إلى لوحات هذا المعرض على أنها ذروة اللوحات الزيتية الكبرى التي رسمها موبين. ومن هذه النقطة تحوّل إلى استخدام الغواش على الورق. كما اعتقد أصدقاؤه المقربون سليم توران وتشارلز موسيون أن رحلة موبين إلى تركيا أوقفت مسيرته المهنية. لكنّ ابنته بنيديكت آمنت بشدّة بأن ذلك لعبَ دوراً في ظهور الورق في أعماله، وهو أمر بدأ في السبعينيات ويعتبر الآن أحد السمات المُميِّزة لفن أورهن.
أدت وفاة والد موبين إلى إطالة مدة إقامته في تركيا. كان عام 1971 هو عام عودته أخيراً إلى باريس، وكانت علاقته بالمدينة، وربما ببقية العالم، ضئيلة. وبينما نأى بنفسه خلال السبعينيات، واصلت عائلة سينسبري اقتناء أعماله ودعمه، حتى أنّ سريره، أحد قطع الأثاث القليلة في مرسمه، كان مهُدى من قبلهم. لم تكن بساطة مشغله من قبيل الصدفة. كان يتألف من سرير، ومكتب، وخزانة لسجلاته، وعصّارات الغواش، وجدران فارغة، وطاولة قهوة مع دبابيس تثبيت الورق التي كان يستخدمها لتثبيت الحواف أثناء العمل. تقول بنديكت: "ينبغي ألّا يشتته أيّ شيء حتى يتمكن من العثور على ألوانه".
توفي أورهن في باريس عام 1981 بسبب سرطان الغدد الليمفاوية. تم إحضار جثته إلى اسطنبول بواسطة ابنته ودُفن في مقبرة آشيان أسري. فُقد قبر والدته، التي دُفنت في المقبرة ذاتها قبل 57 عاماً، أثناء توسعة الطريق على طول البحر، وتحول ذلك إلى هاجس لموبين لمدة 50 عاماً تقريباً حيث شعر وكأنها اختفت مرة أخرى.
تبرّعت عائلة سينسبري بمجموعتها لموبين أورهن إلى جامعة إيست أنجليا في نورويتش عام 1973، حيث افتُتح مركز سينسبري للفنون البصرية في عام 1978. نظّم علي أرتون، أحد مؤسسي غاليري نِف (تركيا)، التي تمثل موبين أورهن، معرضاً من مجموعة موبين الخاصة بالسير روبرت وليزا سينسبري في غاليري يابي كريدي كاظم طاشكنت للفنون في اسطنبول عام 1996. ذكر تشارلز موسيون في كتالوج المعرض أن موبين نجح في صنع المادة غير المادية، وتمنى أن يتمكّن أصحاب البصيرة من رؤية ذلك في لوحاته.