سيرة ذاتيّة
وُلدت المكلة فريدة باسم صافيناز ذو الفقار في الخامس من سبتمبر عام 1921 في حي جناكليس بالإسكندرية لعائلة من الطبقة الراقيّة في مصر. كان والدها يوسف ذو الفقار قاضياً ودبلوماسياً من أصل شركسيّ، وكان شغوفاً بالعزف على البيانو. كانت والدتها زينب سعيد صديقة الملكة نازلي صبري، ووصيفةً في البلاط الملكي. كانت أيضاً شقيقة الفنان الشهير محمود سعيد (1897–1964)، الذي رسم فريدة طفلةً ("ابنة أختي" 1927، متحف محمود سعيد، الإسكندرية) وقدّم لها النصح والتشجيع عندما قرّرت ممارسة الفن في الخمسينيات. تلقّت صافيناز تعليماً غربياً، حيث التحقت بكلية نوتردام دي سيون في الإسكندرية. وكانت الفرنسية لغتها الأولى، وهو ما كان سائداً بين النخب المصرية آنذاك.
في عام 1937، رافقت مع والدتها العائلة المالكة المصريّة في جولة أوروبيّة، وكانت تلك فرصةً للقائها بالملك الشاب فاروق. أُعلن زواجهما في 20 يناير 1938 باحتفالٍ مهيب. اختارت بعد ذلك لنفسها اسم فريدة احتراماً لوصية والد زوجها الراحل الملك فؤاد بأن تحمل سلالته أسماءً تبدأ بحرف الفاء.
كانت فريدة مهتمّة بالسياسة، وقد وعدها زوجها في البداية بالمشاركة لمساعدته في مهامه، لكن ذلك لم يحدث فلقد "أخبره سياسيون رجال أكبر سناً منه بأنّه لا ينبغي لامرأة في الشرق أن تتدخّل في السياسة" حسبما ذكَرت في مقابلة لها مع الصحفي الفرنسي جان لاكوتور عام 1977. خلال الحرب العالمية الثانية، كانت شاهدة على صراع فاروق على السلطة مع القوى الاستعماريّة، والذي بلغ ذروته في حادثة قصر عابدين عام 1942، عندما حاصرت القوّات والدبابات البريطانيّة المقرّ الملكيّ وأجبرت الملك على تشكيل حكومة ائتلافيّة مع حزب الوفد. مع تراجع مكانة زوجها ونفوذه، انخرطت الملكة فريدة في أنشطة خيريّة، كان أبرزها رئاسة لجنة المرأة في "جمعية الهلال الأحمر المصريّ لدعم ضحايا الحرب" ورعايتها المنظّمات النسويّة والنسائيّة.
أُُشهرَ طلاق فريدة وفاروق في السابع عشر من نوفمبر 1948. وبما أن الزوجين كانا قد أنجبا ثلاث بنات، كان يُشار غالباً إلى عدم وجود وريث كسببٍ لهذا القرار. إلّا أن الملكة كانت قد أعلنت رغبتها في إنهاء زواجهما رغم حبّها لزوجها لأنّه لم يعد بإمكانها التهاون مع التجاوزات والمجون الذي مارسه الملك منذ أوائل الأربعينيات من القرن الماضي. أدّى هذا الطلاق، الذي لم يلقَ ترحيباً شعبيّاً، إلى إضعاف النظام الملكيّ والذي أُلغي نهائيّاً عام 1953. كان ذلك بداية حياةٍ جديدة لفريدة.
كان الرسم في البداية هوايتها، ثم أصبح تدريجيّاً نشاطها الرئيسيّ. وهكذا، سعَت الملكة السابقة إلى تعويض غياب بناتها، اللواتي رافقن فاروق إلى المنفى في إيطاليا بعد ثورة عام 1952. تشيرُ مصادر ثانوية إلى أنّ فريدة كانت تتردّد في الخمسينيات على استوديوهات الفنانين في القاهرة مثل حامد عبد الله (1917–1985) وأشود زوريان (1915–1970). ومع ذلك، بشكل أساسيّ، علّمت فريدة نفسها بنفسها. حيث وفّر لها عمها محمود سعيد مرسماً في قصره بالإسكندريّة، بينما كانت ترسم أيضاً في منزلها القريب من أهرامات الجيزة والمطلّ على الريف. في سنواتها الأولى، رسمََت مشاهد من حياة الفلاحين المصرييّن والمناظر الطبيعية النيليّة، متّبعةً الأيقونيّة المحليّة التقليديّة ومستعيرةً من أسلوب الانطباعييّن الذين أُعجبت بهم.
في عام 1963، غادرت مصر إلى بيروت. وهناك، التحقت بدروس الرسم في مرسم الرسام اللبناني الأرمنيّ جان غوفدر (1923–2016) في حي عين المريسة، والذي تدرّبت على يديه شخصيات بارزة في الفنّ اللبنانيّ الحديث من النساء والرجال، مثل أسادور (مواليد 1943) وفريد حداد (مواليد 1945) وسيتا مانوكيان (مواليد 1945).
لإعالة نفسها، رسمت فريدة وباعت البورتريهات للطبقة البرجوازيّة. بعد أربع سنوات، انتقلت إلى سويسرا لتكون أقرب إلى بناتها اللواتي كنّ يعشن هناك آنذاك. ومن هناك، سافرت بشكل متكرر إلى باريس، حيث استفادت من دعم صاحب الغاليري ريموند ناسينتا.
أقامت فريدة أوّل معرضٍ فرديّ لها في العاصمة الفرنسيّة عام 1968 في غاليري "هيرڤي أوديرمات". في مقدمة كتالوج المعرض، أشاد الشاعر والناقد الفنيّ باتريك والدبيرغ بتجارب الفنانة عندما كتب: "باستخدام إجراءٍ عُرفت هي فقط به، حيث يتم التعامل مع الغواش وفقاً لمبادئ المينا، تحصل [الفنانة] على مادة غنيّة بشكل استثنائيّ مع لمسات جذّابة، حيث يصبح لتدفق الأصبغة حركة اللهب الانسيابية". يُشكّل أسلوبها، الذي يجمع بين الطلاء والمعدن المصهور بمشعل التلحيم، لوحاتٍ مكثّفة تبرز فيها وجوهٌ وظلال طويلة من المادة المصهورة. تبرز مفرداتٍ دينيّة جامعةً بين الإشارات الإسلاميّة واليهوديّة المسيحيّة، كما في "أنشودة الأناشيد"، و"دمي ولحمي"، وكذلك عمل "درويش" (1968) الذي يعكس اهتمام الملكة بالصوفيّة.
انتقلت فريدة إلى باريس عام 1970. راغبةً في تعميق معرفتها بالفنون القديمة، فدرست تاريخ الفنّ في مدرسة اللوفر، حيث تعرفت على الأيقونات الروسيّة والبيزنطيّة. كما درَست الطباعة الحجريّة في مرسم فرناند مورلو، والحفر في أتولييه ريغال في فونتيني أو روز. انتهى نفيها عام 1974 بعودتها إلى القاهرة بعد انتصار مصر في حرب أكتوبر.
في منتصف السبعينيات، طوّرت أسلوباً تصويرياً تضمّنَ صوراً غامضة لشخصيات ترتدي العمامة مثل "العرّاف" (1978) إلى جانب المناظر الطبيعيّة المبسّطة. ورغم أنها لم تدّعٍِ الانتماء إلى مدرسةٍ معيّنة، فإن مفرداتها الشكليّة تقترب من مفردات حركة "الحروفية" حيث تُشكّل بفرشاتها أشرعةُ القوارب وجذوعُ الأشجار والبنى المعماريّة الحروفَ العربية لكلمة "الله" أو "جلالة".
في كتالوج أحد معارضها في باريس عام 1978، قدّمت الفنّانة الموضوعات الإلهيّة والإشارات الروحيّة في لوحاتها على أنّها تلخيص لاعتباراتها حول فعل الرسم ووعيها بالاضطرابات التي هزّت العالم: "من خلال تكرار اسم الله، تناهى إليّ مفهوم الإبداع. لا شكّ أنّ هذا الموضوع كان يتفاعل داخلي، نظراً لأننا نعيش في عصرٍ كل ما فيه موضع تساؤل، حيث أصبح كلّ شيء مضطرباً ومختلطاً ومتداخلاً. هناك أشياء تدمر نفسها بنفسها، كما في بداية الكون عندما كان كلّ شيء في طور التشكّل." إلى جانب المواضيع المتناولة، فإن تقنيات فريدة غير التقليديّة ومحاولاتها لدمج مواد وتقنيات غير مألوفة جعلت فنّها مميزاً. يلعب الضوء دوراً حيوياً في تكويناتها، المتميزة غالباً بتأثيرات الظلّ والنور واستخدام المعدن لخلق الانعكاسات. لقد أولت أيضاً أهميّة خاصّة للإضاءة الاصطناعية في لوحاتها، مستخدمةً أنظمةً إلكترونيةً لخلق إضاءة مؤقتة في بعض أعمالها. قدّمَتْ هذه التجارب عام 1978 في معرضٍ/عرض أدائيّ نُظّم بالتعاون مع المركز الثقافيّ المصريّ في "أقبية القرن الخامس عشر" في "لوتيل"، 13 شارع الفنون الجميلة في باريس.
في عام 1980، أقيم معرض فرديّ ناجح لأعمال فريدة الفنيّة في فندق الميريديان بالقاهرة. إلا أن شهرتها الفنيّة ظلّت محدودة، سواءً في بلدها أو على الصعيد الدوليّ. ورغم انتمائها إلى جيل من فنانات حقّقن شهرةً واسعة في مطلع خمسينيات القرن الماضي ضمن إطار الدعم الوطنيّ لتطوير الفنون البصريّة، مثل تحية حليم (1919–2003)، وإنجي أفلاطون (1924–1989)، وجاذبية سري (1925–2021)، فإنّ فريدة دخلت المجال في مرحلةٍ متأخرة من حياتها، في وقتٍ أصبح فيه المشهد الفني أقلّ حظوةَ لمسيرة الفنّانات. وربما ساهم حذرها في عدم تسليط الضوء عليها أيضاً، حيث عاشت في عزلة طوعيّة على معاش تقاعديّ ضئيل وأنهت أيامها في شقّة صغيرة في حي المعادي. توفيت فريدة عام 1988 بمرض سرطان الدم. دُفنت أولاً مع عائلتها ثم نُقلت رُفاتها إلى مسجد الرفاعي بالقاهرة بين المقابر الملكيّة عام 2022.
تخليداً لذكراها، أسّست صديقتها الكاتبة لوتس عبد الكريم عام 2017 متحفاً يجمع أعمال فريدة الفنيّة ومقتنياتها في مرسمها السابق بالمعادي، والذي أسّستاه معاً تحت اسم "قاعة الشموع". العديد من أعمال فريدة مبعثر ومفقود بسبب أسفارها التي تخلّلت حياتها. وفي حين أن سيرتها السياسيّة معروفة على نحو جيد، فإن مسيرتها الفنية لم تُدرس بعد بما يُنصف تنوع أبحاثها الفنيّة التي تتجاوز حدود ممارسات الهواة التي تُنسب إليها أحياناً خطأً.