السيرة الذاتية
كان أحمد بن إدريس اليعقوبي (1928–1985)، المعروف شعبيّاً بأحمد اليعقوبي، فنّاناً بصريّاً مغربيّاً علّم نفسه بنفسه وكان راوياً. ولد في حيّ الكدان في فاس، وكان اليعقوبي "شريفاً" منحدراً على حدّ زعمه من جهة الأب والأمّ من سلالة النبيّ محمّد صلى الله عليه وسلم. هو ينحدر من عائلة من الفقهاء الذين مارسوا أشكال العلاج البديل والطب التقليديّ. دامَ احتكاكه المبكّر مع مهنة عائلته طوال حياته، وظلّ محافظاً على رسوخه في التصوّف.
على الرغم من أن اليعقوبي كان شخصية غير مشهورة في المشهد الفنيّ المغربيّ عندما كان على قيد الحياة، ويرجع ذلك جزئياً إلى طول الفترات التي قضاه في الولايات المتحدة، فهو أحد الرسامين المؤسّسين للحداثة في المغرب، ورائد التجريد في البلاد. جعل مكانه خارج الأوساط الفنية الأكاديمية من الصعب تصنيف أعماله، حتى أن بعض النّقاد قد صنّفوها على أنها "الفن الخام (البرّ)" أو "الفن العفوي (الفطريّ)". وقد عرّف بول بولز عمل اليعقوبي على أنّه "تجريد طبيعيّ"، لأن منهجه كان عفوياً ومجرداً في الوقت ذاته.
في حين أنّه كان مهمّشاً داخل الأوساط الفنيّة المغربيّة في منتصف القرن العشرين، كان اليعقوبي جزءاً من شبكة دولية من الفاعلين الثقافيين الذين عاشوا وعملوا في طنجة عندما كانت منطقةً دوليةً (1923– 1956). وفي بيئة تحرريّة نسبياً من طنجة يشار إليها في الخمسينيات والستينيات باسم "Interzone المنطقة البينيّة"، حيث طوّر اليعقوبي علاقات ديناميكية مع الفنانين والموسيقيين والكتاب مما يُدعى "جيل بيت Beat Generation" مثل ويليام س. بوروس وترومان كابوت وألن جينسبيرغ وبريون جيسين وجاك كيرواك وزملائهم الفنانين المغربيين الذين علّموا أنفسهم بأنفسهم مثل محمد حمري ومحمد مرابط وغيرهم. كان المؤلف والملحّن والمترجم الأميركي بول بولز شريكه الرومانسيّ المفترض وأكبر مناصريه والذي التقى اليعقوبي لأوّل مرة في فاس عام 1947 أثناء كتابته "السماء الواقية - The Sheltering Sky" (1949). كثيراً ما سافر اليعقوبي وبولز معاً، حيث قدّم الأخير اليعقوبي إلى الأثرياء ذوي النفوذ، ونظّم له معارض دولية، وسجّل قصّصه صوتيّاً، والتي كان قد ترجمها من العامية العربية المغربيّة إلى الإنجليزية. كان من بين تلك القصص "الرجل والمرأة" (1956) و"الرجل الذي حلُمَ بسمكة تأكل سمكة The Man Who Dreamed of Fish Eating Fish "(1956) و"اللعبة The Game" (1961).
في عام 1951، نظّم بولز أوّل معرض فرديّ لليعقوبيّ في مكتبة "غاليمار" في طنجة (المعروفة اليوم باسم مكتبة كولون)، حيث بيعت 28 من لوحاته. وفي عام 1952، نظّم باولز معرضاً في غاليري "بيتي بارسونز" في نيويورك. كان بارسونز تاجراً فنيّاً بارزاً متخصّصاً في الفن الحديث. وكان مهتمًا بشكل خاص بالتعبيريّة التجريديّة وعرض لرسامين مثل جاكسون بولوك، ومارك روثكو، وبارنيت نيومان، وآخرين. خلال رحلة إلى تطوان وشفشاون، التقى اليعقوبي بالفنانين الأميركيين المعاصرين روبرت روشنبرغ وسي تومبلي اللذَين كانا يعملان ويسافران شمال المغرب في ذلك الوقت. في العام ذاته، سافراليعقوبي مع باولز إلى الهند وسيلان البريطانية (حالياً سريلانكا) لعرض أعماله الفنيّة، وقد عبرا من إيطاليا، حيث ظهرَ كلاهما في العمل التجريبيّ "8 × 8: سوناتا الشطرنج في 8 حركات 8 x 8: A Chess Sonata in 8 Movements." (1957) لهانز ريختر ومارسيل دوشامب وجان كوكتو. كان بولز واليعقوبي في البندقية بإيطاليا ضيوفاً لدى المقتني الأميركي بيجي غوغنهايم البارز اجتماعيّاً، والذي اشترى عدّة قطع من الفنان الشاب. في العام التالي أبحرا إلى الولايات المتحدة، حيث ثبّت اليعقوبي نفسه في مشاهد اجتماعية مختلفة، وظهر بشكلٍ متكررٍ في أعمدة الشائعات الاجتماعيّة في الصحف وصادقَ المشاهير والشخصيات الثقافيّة مثل مونتغمري كليفت وليبي هولمان وغلوريا فاندربيلت، وتينيسي ويليامز. عرضَ اليعقوبي أعماله على مدار حياته وسافر إلى أماكن عديدة من بينها هونغ كونغ، واليابان، وكينيا، وماليزيا، وسنغافورة، وإسبانيا، وزنجبار.
في عام 1958 التقى اليعقوبي في طنجة بالأميركيّة روث مارتن والتي أنجبت طفلتهما كريمة بعد فترة وجيزة. بحلول عام 1966 كان اليعقوبي قد استقرّ بشكل دائم في الولايات المتحدة الأميركية، حيث كان لديه عليّة صغيرة في الجانب الشرقي الأدنى من مدينة نيويورك فوق نادي "مسرح لا ماما التجريبي"، تشاركها مع الفنانة كارول كانون حتى وفاته بسرطان الرئة عام 1985. في عام 1971، تم تحويل "ليلة ما قبل التفكير-The Night Before Thinking" لليعقوبي، والتي نُشرت في الأصل في مجلة إيفرجرين عام 1961، إلى مسرحيّة من قبل إلين ستيوارت مؤسسة نادي المسرح التجريبي لا ماما وقد أٌخرجت بواسطة أوزي رودريغيز بدعم من "معهد العالم الثالث لفنون المسرح" برنامج الدراسات. عُرضت المسرحية عام 1974 على مسرح وايت بارن في ويستبورت بكونيتيكت. وفي عام 1972 نشر اليعقوبي كتاباً للطبخ تحت عنوان "كتاب الطبخ الكيميائي: المطبخ العلمي المغربي Alchemist’s Cookbook: Moroccan Scientifiic Cuisine" حيث تألّف من 125 وصفة اعتمدت على تقاليد الكيمياء المغربية. تمّت كتابة الكتاب الذي ظهرت فيه رسوم توضيحية لمايكل كوتون وبريري برينس، في مزرعة زعيم حركة الثقافة المضادة الأميركية والتر بوارت ونشرته مطبعة أومين في توسكون بأريزونا.
بعد وفاته عام 1985، أصبحَ لليعقوبي شعبية ما بعد الموت، وازدادت قيمة أعماله مما أدّى إلى جدالات حادة ودعاوى قضائية بين العديد من الأطراف التي ادعت ملكيّة أعماله. عام 2009 استُخرج جثمانه وأرسل إلى المغرب حيث أُعيد دفنه في مقبرة المجاهدين بطنجة في جنازة ومراسم رفيعة تحت رعاية الملك محمد السادس.