نبذة
بَهمَن مُحصّص (1931–2010م) هو فنان بصريّ إيرانيّ ومترجم ومخرج مسرحي. من مواليد رَشْت، عاصمة محافظة جيلان شمال إيران، يَنحدر مُحصّص من جهة الأب من سلالة المغول ومن جهة الأمّ من سلالة قاجار. هو ابن عمّ الفنان أردشير مُحصّص (1938–2008). في ريعان الرابعة عشرة من العمر، رسمَ مُحصّص مناظر طبيعيّة لمسقط رأسه رَشْت متدرّباً على يد الفنان سيّد محمّد حبيب محمّدي الذي تلقّى تدريبه في الأكاديميّة الروسيّة للفنون في سان بطرسبرغ. من بعد تدرّبه، وفي العام 1950م، التحقَ مُحصص بكليّة الفنون الجميلة في جامعة طهران (يشارُ إليها اليوم بمدرسة الفنون الجميلة)، دون أن يُنهي دراسته فيها، تلاها أكاديميّة الفنون الجميلة في روما في العام 1954م. كان هنالك فنانون إيرانيون آخرون يدرسون الفن في إيطاليا في الفترة ذاتها من بينهم بهجت سادر ومُحسن وزيري مُقدّم. في روما، تردّدَ مُحصص على استوديوهات كلّ من فيروتشيو فيراتزي وفاوندري فرانسيسكو برونو تحت إشراف أرتورو بروني.
السيرة الذاتية
يُعتبر مُحصّص رمزاً ثقافيّاً إيرانيّاً وقد عُهدَ إليه إنجاز منحوتات للساحات العامّة في طهران تحت رعاية الشاه محمّد رضا بهلوي والإمبراطورة فرح ديبا. بعد الثورة الإيرانيّة عام 1979، تمّت إزالة أو تدمير العديد من منحوتاته العامّة، وكثيراً ما خضع العريّ السائد على أعماله إلى الرقابة، كما أن جنسانيّته، والتي يعتقد الفنان نيكي نجومي أنّها قد أثّرت في عمله، لم يتمّ التطرّق إليها رسميّاً في بلده. بالرغم من ذلك، وفي العام 2017، عرضَ متحف طهران للفن المعاصر (سيعرُف لاحقاً باسم TMoCA) أعمالاً لمُحصّص وفرانسيس بيكون من مجموعته الدائمة. تضمّنت الأعمال المعروضة في TMoCA الطبيعة الصامتة والتشخيص من دون حضور صريح. إنّ الأعمال ذات المحتوى "الحسّاس" محفوظة في مجموعة المتحف الدائمة لكنها لم تُعرض للجمهور بعد الثورة. ظلّت علاقة مُحصّص بوطنه الأمّ إيران متوترة ومعقّدة طوال حياته.
أثناء وجوده في طهران في الخمسينيات، أصبح محصّص شخصية جوهريّة في المشهد الفني والأدبي الطليعي للبلد. لقد كان عضواً في جمعية فن الديك المقاتل (انجمن هنری خروس جنگی) ويشار لها أيضاً بـاسم (سوررئالیستهای خروس جنگی) أو "سورياليّو الديك المقاتل"، وهي حركة فنيّة أسّسها جليل زيابور (1920–1999) وآخرون عام 1948. عززّت الجمعية الفنيّة في العديد من مجلاتها التعاون بين الشعراء والرسّامين والكتّاب والنقّاد، وكانت الممثل الرئيسي للغة الفنيّة التكعيبيّة في إيران، ووطّدت العلاقة بين الالتزام السياسيّ والتعبير الإبداعيّ. تعتقد الباحثة عايدة فوروتان أنّ محصّص وآخرين من أعضاء الجمعية الفنيّة أظهروا ميولاً سورياليّة في ممارساتهم الفريدة في الخمسينيّات. عملَ محصّص محررّاً للإصدار الأدبيّ والفنيّ الأسبوعيّ للجمعيّة، پنجه خروس "قدم الديك"، والتي اعتُبرت مجلّةً حداثيّة راديكاليّة. في طهران، طوّر محصّص علاقة وثيقة مع نيما يوشيج (1895–1960)، الملّقب بـپدر شعر نو "أبو الشعر الجديد"، كما ربطته صداقة بأمثال الشاعر والرسام سهراب سبهري (1928–1980)، والشاعر هوشَنغ إيراني (1925–1973)، والكاتب غولام حسين غريب (1923–2004)، الذين مضوا في رسم التحركات الفنيّة والأدبيّة التقدميّة الإيرانيّة خلال منتصف القرن العشرين.
بعد الانقلاب العسكري المدعوم من الولايات المتحدة وبريطانيا في العام 1953 للإطاحة برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً محمد مُصَدق، شَهدَت إيران احتجاجات حاشدة ونزوحاً جماعيّاً للفنانين والمثقفين، بمن فيهم مُحصّص الذي غادر إيران إلى إيطاليا عام 1954. على مدار العقود التالية، سيشارك مُحصّص في العديد من المعارض والبيناليات في جميع أنحاء العالم، وسيُترْجم إلى الفارسيّة المؤلفين الإيطالييّن مثل إيتالو كالفينو وكورزيو مالابارت والكتّاب الفرنسيين مثل أوجين يونيسكو وجان جينيه، وسيواصل الانخراط في التجمّعات مقيماً رحلاتٍ متكرّرة ومختصرة إلى إيران. بوصفه مخرجاً مسرحيّاً، أخرجً مُحصّص "الكراسي Les Chaises" ليونسكو عام 1960، و"هنري الرابع Henri IV" لبيرانديلو عام 1968 في طهران. في إشارة إلى إيران الستينيّات، صرّحَ مُحصّص أنّ مشكلته مع البلد لم تكن الحكومة، بل سلوك شعبها، هو ما أفضى إلى انتقاله الدائم إلى إيطاليا في نهاية الستينيّات.
في النهاية، توفي مُحصّص في غموض، ويُعتقد أنّه قد ماتَ عقوداً ما قبل الفيلم الوثائقيّ للمخرجة والكاتبة ميترا فاراهاني المعنون "فيفي تصيح من السعادة Fifi Howls from Happiness"، والذي صوّر الأشهر الأخيرة من حياة الفنان ووفاته أمام الكاميرا في العام 2010. في كلّ من وثائقي فاراهاني، و"العين تسمع Cheshmi ke mishenavad" لأحمد فاروقي قاجار من العام 1967، اعتبرَ مُحصّص الموت "أداءً" وأشارَ إلى أنّ موت الفنان لا يقلّ أهميّةً عن دخوله إلى المشهد الفنيّ.
في الفيلم الوثائقي لفاروقي قاجار عن محصّص، يتذكّر الفنان حديثه مع الرسام شارل حسين زندرودي. لقد وجد مُحصّص الرسم ضرورةً، وعادةً، وجزءاً من جسمانيّته، إلى حدٍّ أصبح فيه ضرورةً لراحته. ولطالما ذكر أنه في الفن، ليست المادة ما يهمّ، بل التعبير. غالباً ما صَوّرت أعمال مُحصّص، التي شملت الرسم والنحت والكولاج، صراعاته وآرائه الرحيمة حول ما يسمّى بالعالم القاسي، والطبيعة البدائية للإنسانيّة، إضافةَ إلى الاضطرابات السياسية العالمية، معلّقاً على الكوارث، منها على سبيل المثال لا الحصر: تسّرب النفط واغتيال قائد الحقوق المدنية الأميركية مارتن لوثر كينغ الإبن، وحرب الخليج، أو حادثة تشيرنوبل النوويّة. غالباً ما شعر محصّص بأنّه من خلال عمله، كان "يَعظُ وحيداً [...] في صحراء"، وبأنّه "لن يحدثَ فرقًا".
في كثير من الأحيان، تمّ تصوير موضوعات لوحاته باللون الرمادي، بتدرّجات تذكّر بالأحجار، من دون أيدٍ أو أقدام أو أفواه أو عيون، مع الحفاظ على هيئة تُشبه الإنسان. يَذكُر محصّص بأن ذلك يمثّل "إدانةً للإنسانية"، والتي بدأت على أنّها متعدّدة الأبعاد، ولكنها لم تعد كذلك. للتعبير عن مثل هذا الغياب للحيويّة، قامَ مُحصّص قاصداً ببتر الأطراف وإزالة ملامح وجوه موضوعاته. غالباً ما اعتُبرت أعماله إيروتيكيّة لتضمنها العريّ في كثير من الأحيان. تمثّل الأسماك والثيران المؤنسنة الأشكال الأكثر حضوراً في أعماله. يُعتقد أن الأسماك تنمّ عن رمزيّة قاتمة. لدى تصويرها خارج الماء في معظم الأحيان، فإنّها تعبّر عن اغتراب الفنان. وفي حين ربط كثيرون ذكورة الثور المؤنسن بجنسانيّة مُحصّص، عبّر هو عنه بوصفه "كائناً مستقلّاً" وبأنّه، في وقتٍ واحدٍ، "جميلٌ للغاية، وفي صلب جماله تقطن قتامة كيانه" كثيراً ما تمّت مقارنة أسلوبه بأسلوب نُظرائه الغربيين مثل ماكس إرنست، وهنري مور وألبرتو جياكوميتي، وفرانسيس بيكون، وبابلو بيكاسو (يُعرف عموماً، حسب المركزيّة الأوربيّة، ببيكاسو الفارسيّ [الإيرانيّ].)
لم يرغب مُحصّص على الإطلاق في ترك إرثٍ، كما لم يرغب في أن تُعرض أعماله للبيع، ولذا، غالباً ما قام بتدميرها. على الرغم من ذلك، تم جمع أعمال "محصّص" من قبل شخصياتٍ مثل نيسلون روكفلير ومؤسساتٍ دوليّة كبرى مثل TMoCA ومتحف جاهان ناما في قصر نياڤاران، وبنك باسارجاد، وتيت مودرن ومؤسسة بارجيل للفنون في العام 2021.

