السيرة الذاتية
يُعتبر قيصر الجميّل أحد رواد الحداثة اللبنانيّة. هو أحد أفراد الجيل الثاني من الرسامين اللبنانيين المعاصرين، ويمثل انتقالاً من اللوحات الأكاديمية التي كانت تطلب من سابقيه إلى تصوير المناظر الطبيعية والعراة والطبيعة الصامتة بالألوان الزيتيّة والمائيّة والباستيل. ويتميز عمله بالتجريب مع الضوء واللون وضربات الفرشاة الحرّة وفقاً للانطباعيّة الفرنسيّة.
ولد الجميّل في قرية عين التفاحة، بالقرب من بكفيا. سعى الجميّل في البداية إلى مواصلة المشروع العائلي بدراسة الصيدلة في الجامعة الأميركية في بيروت. أثناء فترة الدراسة، تدرّب الجميّل على الرسم في محترف الرسام اللبناني خليل صليبي (1870 – 1928) المعروف بالبورتريهات ورسوم العراة التي تتميّز بالتركيز على الضوء على غرار الأسلوب الانطباعي. في عام 1927 سافر الجميّل إلى باريس حيث قضى ثلاث سنوات لمتابعة تحصيله الفنيّ في "أكاديمية جوليان". خلال تلك الفترة، نما لدى الجميّل إعجاب بأعمال الانطباعيّ الفرنسيّ بيير أوغوست رونوار (1841 – 1919).
عاد الجميّل عام 1930 إلى بيروت وكرّس نفسه للعمل الفني. إضافة إلى مجموعة أعماله الغزيرة على الورق، قّدم الجميّل مساهمات قيّمة في تطوير البنية الأساسيّة للفنون البصريّة في لبنان، خصوصاً عبر مشاركته في تأسيس "لجنة أصدقاء المتاحف الوطنيّة والمواقع الأثرية" (التي تأسست عام 1923)، ومن خلال التدريس في قسم الفن والعمارة في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة، التي شارك في تأسيسه مع ألكسيس بطرس (1915–1979) عام 1943، بعد خمس سنوات من إنشاء بطرس الأكاديميّة عام 1937.
تظهر تأثيرات خليل صليبي المبكرة على الجميّل بوضوح في أعمال الفنان الشاب – بدءاً من اختياره الموضوعات إلى الألوان المشرقة في مجموعته اللونية وضربات فرشاته الواضحة والحرّة. كان صليبي نفسه تلميذاً لكلّ من الانطباعي الأميركي جون سنجر سارجنت (1856 – 1925) ورينوار، واكتسب شهرته كرسّام بورتريهات اجتماعي على نهج الانطباعيين: الرسم مباشرة على القماش بضربات فرشاة سميكة وقصيرة. على غرار رونوار وصليبي، أبدى الجميّل شغفاً في رسم العراة، ما يعدّ أساساً هامّاً في التدريب الأكاديمي. وبالمثل، توثّق مجموعة الجميّل الرائعة من لوحات العراة بالألوان الزيتية والباستيل والألوان المائية التجريب المتواصل لتأثيرات الألوان المشبعة بالضوء وضربات الفرشاة الإيقاعية.
إلى جانب اللوحات التشخيصيّة، تتضمن أعماله عدداً كبيراً من المناظر الطبيعيّة والطبيعة الصامتة، والتي تثبت براعة الفنان وتعددية تقنيّاته. عبر درجات متنوّعة من التجريد، صوّر الجميّل المناظر الأفقيّة والزراعية والعمارة في لبنان. كذلك، فإن لوحات الطبيعة الصامتة التي رسمها جميل حداثويّة في تجريدها، خصوصاً تلك السلسلة من المزهريات المليئة بالأزهار النابضة بالحياة على خلفية مكوّنة من ضربات فرشاته متعددة الطبقات. في بعض تلك اللوحات، تذوب أوراق وبتلات الأزهار بالخلفية في نسق حيوي من ضربات منمّطة للفرشاة. بامتدادها نحو أطراف اللوحة، تتأرجح أزهار الجميّل بين واقعيّة ثلاثية الأبعاد وسطح زخرفيّ ثنائيّ الأبعاد.
عرض الجميل أعماله طوال مسيرته الفنيّة في الخارج وفي لبنان، وكانت لوحاته تعرض بانتظام في مبنى مجلس النواب ومبنى اليونسكو في بيروت. نال الجائزة الأولى في "المعرض الاستعماري" في باريس سنة 1930 وقُلّد لاحقاً "وسام الأزر" اللبناني. بعد وفاته المبكّرة عام 1958 بنوبة قلبية أحيا متحف سرسق ذكرى الفنان في بيروت بعرض لوحاته في صالون الخريف لعام 1964.