السيرة الذاتية
كانت عائلة ناجي المتجذّرة في الإسكندريّة عائلةً ثرية من مالكي الأراضي. ترأس الأب موسى ناجي بك جمارك المدينة الساحلية، أما الأم نفيسة رشيد كمال فكانت ابنة محافظ السودان. كان لعفّت أخٌ أكبر هو محمد ناجي (1888–1956)، أحد رواد الحداثة المصرية، والذي ظلّت علاقتها به وثيقة. ومع العلم أنّ محمد قد شجّع موهبتها، لم يأتِ تدريب عفت ناجي الفنيّ على يده. فمثل العديد من الفتيات من الخلفيات ذات الامتيازات، تلقّت دروسها في الرسم من قبل مدرّسٍ خاصّ.
في طفولتها، أتاحت لها ملكيّة العائلة في منطقة أبو الحمص الواقعة على بعد حوالي 50 كيلومتراً جنوب الإسكندرية المكان الأوّل للتدرّب على رسم بورتريهات الفلاحين وأطفال القرية. في الوقت ذاته، تعلّمت التمثيل والموسيقى وواصلت ممارستهما طوال حياتها. ألّفت عدداً من المقطوعات المستوحاة خصوصاً من الإيقاعات المصرية التقليديّة، وقدّمت عروضاً في الحفلات الموسيقية في الثلاثينيات، بما فيها ما أقيم في أتولييه الإسكندرية. أتقنت عفّت ناجي اللغات الفرنسيّة، والعربيّة، والإنجليزيّة، والإيطاليّة.
منذ سنّ مبكرة، وخصوصاً بعد وفاة والدتها، سافرَت عفّت ناجي في رحلات عديدة إلى أوربا مع والدها وأحياناً مع شقيقها. أصبحت في فرنسا صديقةً للكاتبة النسويّة جولييت آدم (1836–1936) وأقامت في منزلها في الدير السابق نوتردام دو فال دي جيف. من خلال النصوص والرسوم، يَشهد كتاب "وادي شيفروز بعينِ مصريّةٍ La vallée de la Chevreuse vue par une Égyptienne" الصادر عام 1924 على إقامتها هناك.
تطوّعت عفّت ناجي خلال الحرب العالمية الثانية مع الهلال الأحمر واستقرّت في أبو حمص وهناك مارست الرسم والتصوير الزيتي. وبعد بضع سنوات، عام 1947 في روما، وأثناء الوقت الذي ترأس فيه شقيقها الأكاديميّة المصرية في روما، بدأت تدريباً رسميّاً في الفنون. درَسَت فنّ الجداريات (الفريسك) والنحت لمدة ثلاث سنوات في أكاديميّة الفنون الجميلة مع فيراتزي فيروتشيو (1891–1978) الذي كان رئيساً لقسم الديكور التصويري. أثناء دراستها في روما وحتى عام 1950، كانت تقيم بانتظام في أنتيكولي كورادو، وهي قرية واقعة على مشارف العاصمة والتي اجتذبت الفنانين من أوروبا وخارجها منذ القرن التاسع عشر. تميّزت أعمال ناجي من الأربعينيات بالأسلوب الكلاسيكي وموضوعات البورتريهات والمناظر الطبيعية والطبيعة الصامتة. سمحَ استخدام طلاء الكلس الممزوج بالرمل الناعم بالحصول على ملمس كالذي في عمل "أسماك البحر الأحمر Poissons de la Mer Rouge2" من عام 1948. منذ نهاية الأربعينيات فصاعداً، أقامت عفّت ناجي العديد من المعارض الفرديّة والجماعيّة التي حظيت بتقدير الجمهور. مع ذلك، بالإمكان تسجيل بعض العروض المبكرة لأعمالها، مثل مشاركتها في صالون القاهرة الثاني عام 1925.
في باريس وفي نهاية الأربعينيّات التحقت أيضاً بأكاديميّة الرسام أندريه لوت (1885–1962)، ونشأت بينهما علاقة صداقة. خلال تلك الفترة، طوّرت أسلوباً من التراكيب الهندسيّة التي أصبحت معروفة بها. سافرَ لوت إلى مصر عامي 1950 و1951 بدعوة من عفت ومحمد ناجي، ورافقته عفّت إلى الأقصر وأسوان مع زوجته سيمون كامان. ساهمت مرَاقَبة التراث الفرعوني في إحداث تحوّل في ممارسة عفّت ناجي الفنية. كانت مدفوعةً بمشروع "إيجاد فنٍّ حيويٍّ يعبر عن شكلٍ من أشكال الفكر الجديد الذي يقدّم نفسه كجزء من تراثنا الفنيّ ويدعم الزخم البنّاء لنهضة البلاد على حدٍّ سواء" حسب ما كتَبت في كتالوك معرضها بفندق النيل هيلتون بالقاهرة عام 1959.
بدراستها للتقاليد الشعبيّة والعلوم الخفيّة بالتعاون مع الرسام سعد الخادم (1913–1987) والذي أصبحَ زوجاً لها عام 1954، دمَجت رموزاً وأشكالاً التخطيطية وكتابات الهندسية، لكنّا أيضاً أوجدت أشياءً في أعمالها (انظر على سبيل المثال "المسخوت" غير مؤرّخ). أصبحت تلك العناصر توقيعها الفني. ألقت عفّت ناجي العديد من المحاضرات في الفنون الشعبية وتاريخ الفن. منذ الستينيات فصاعداً، أنتجت أعمالاً محجّمة من تجميعات خشبيّة مرسومة، مثل "البناء من أجل السلام Building for Peace " (1965) 3.
أوفدت وزارة الثقافة المصرية عفّت ناجي في مهمّة فنيّة إلى النوبة عام 1963 لإحياء ذكرى بناء السد العالي في أسوان. قدّمت الفنانة العديد من اللوحات ذات الألوان النابضة بالحياة والتي مثّلت العمارة النموذجيّة لمنطقة أسوان، مثل لوحة "الأزمنة السحريّة Magic Times " (1963) 4. كما أنتجت أيضاً سلسلة من اللوحات والتركيبات المستوحاة من ميكانيكا السد. تكشف تلك اللوحات، التي يُظهر الكثير منها تخطيطاً هندسيّاً وتقنيّاً تقريباً، عن انبهارها بالآلة التي ذكّرتها بسحر الأسلاف (انظر، على سبيل المثال، السد العالي (1966) 5. ساهَمت مزاوجة عفّت ناجي بين الأشكال التشخيصيّة والمكوّنات غير التمثيليّة في نشر الفن التجريدي في مصر.
توفيّت عفّت ناجي عام 1994 في الإسكندرية. عاشت في ڤيلا كبيرة بمنطقة محرم بك منذ عام 1963، والتي كانت مُستأجرة لها من قبل النحات الإيطالي إميليو أمبرون (1905–1996) ابن الرسامة أميليا أمبرون (1877–1960). أمّا الفيلا الخاصّة بها في حي الزيتون، والتي تبرّعت بها للدولة، فقد أصبحت الآن "متحف عفّت ناجي وسعد الخادم" متضمناً أعمال الفنانيَن بالإضافة إلى جزء من مجموعتهما من الفنون الشعبية والمجوهرات والأزياء.
لقد انخرطت عفّت ناجي أيضاً في ترويج إرث شقيقها، فبادرت بعدّة منشورات عنه وساعدت في إنشاء "متحف محمّد ناجي" في القاهرة.