السيرة الذاتية
التحق فكرت معلّا الذي أظهر موهبةً منذ سنّ مبكّرة بقسم التصميم الجرافيكي في أكاديمية ميونيخ للفنون الجميلة، ثم درَس الرسم في أكاديميّة برلين للفنون الجميلة تحت إشراف آرثر كامبف (1864–1950). كفنانٍ محترفٍ، كان جزءاً من حقبة العشرينيات الصاخبة، الفترة التي أعقبت الحرب العالميّة الأولى، عندما تبنّى الفنانون الأنماط الهندسيّة والزخارف الغنية والأشكال العصريّة المشذّبة، ما عكس ديناميكيّة العصر والتفاؤل بالتكنولوجيا، منفصلين عن الجماليات التقليدية. أثناء دراسته في أوروبا الغربيّة من عام 1921 إلى عام 1926، تشرّب مُعلّا الاتجاهات الفنية المتغيرة لتلك الفترة.
بعد تخرّجه، عاد إلى اسطنبول وأصبح معلّماً للفن. لكنّه سرعان ما استقال من التدريس في مختلف المدارس الثانوية وعاد إلى برلين. بين عامي 1928 و1930، سافر كثيراً عبر أوروبا. أثّرت هذه الفترة تأثيراً عميقاً على تطوّره الفنيّ، مفضيةً إلى ظهورٍ متكرّرٍ لأشكال تعبيريّة وحضريّة (ميتروبوليتانيّة) ولافتة بصريّاً في أعماله. عند عودته إلى اسطنبول عام 1930، واصل مُعلا استكشاف إجراءاته التجريبيّة من أوروبا الغربيّة من خلال الرسم والرسم التوضيحيّ. وضعَه تعريفُه كتعبيريّ تشخيصيّ ضمنَ جيل من فنانيّ الطليعة ذوي الرؤية الثاقبة في تركيا، وهي مجموعة ضمت أيضاً هالة أساف (1905–1938) وعارف دينو (1893–1957). أدخل هؤلاء الفنانون، ومن ضمنهم مُعلا، حركاتٍ طليعية مثل التعبيريّة والتجريديّة والمستقبليّة إلى المشهد الفنيّ في اسطنبول، في تحوّلٍ كبيرٍ عن الأذواق السائدة المتجذرة في جماليات القرن التاسع عشر.
لعبَ مُعلا دوراً فاعلاً في تشكيل مشهد اسطنبول الثقافيّ المعقّد في ثلاثينيات القرن العشرين. رسم رسوماً مرافقة لكتب شعريّة مثل "رقم 3" و"لماذا انتحر بنرجي؟ Benerci Kendini Neden Öldürdü?" (للشاعر البارز ناظم حكمت (1902–1963)، وهو تعاون أثّر بشكلٍ كبيرٍ على أسلوبه الفنيّ ومواضيعه. إضافةً إلى ذلك، رسمَ مصغّراتٍ ورسوماً تخطيطيّة وتوضيحيّة لمجلات سياسيّة مثل "يني آدم" (Yeni Adam) و"سيس" (Ses) و"يني سيس" (Yeni Ses).
كان فكرت مُعلا توّاقاً إلى الاحترام والتقدير، وهي رغبة عكسها اختياره للقب "Saygı" (بمعنى "الاحترام") عندما صدرَ قانون الألقاب التركية عام 1934. لم يكن هذا الاسم الذي ظهر كتوقيعٍ على بعض أعماله الورقيّة اختياراً عشوائياً، بل كان تعبيراً بارعاً عن رغبته بالتقدير في عالم الفن.
بعد معرضه الفرديّ الأوّل في مكتبة كابس (Kapps Kitapevi) عام 1934، والذي لم يحظَ باهتمامٍ كبير، عانى مُعلا من الاكتئاب. أُدخل لاحقاً إلى مستشفى اسطنبول للأمراض النفسية والعصبيّة، حيث تشارك الغرفة مع الشاعر والموسيقي والهجّاء نيزن توفيق (1879–1953). في الحادي والثلاثين من ديسمبر 1938، انتقل إلى باريس، مع قناعة بأنّ الجمهور الفرنسي سيكون أكثر تقبلاً لأسلوبه ومواضيعه من الجمهور التركي. دفعته خيبةُ أمله في وطنه، النابعة من عدم تقدير أسلوبه الطليعيّ، إلى إتلاف العديد من أعماله المتبقية قبل رحيله. لم يعدْ بعدها قط.
سنوات باريس
عند وصوله إلى باريس، التحق مُعلّا بأكاديمية غراند شوميير، حيث حضر دروساً في مرسم أوتون فريز (1879–1949) في مونبارناس. خلال تلك الفترة، صادقَ العديد من الفنانين ومنهم الأميركيَان هربرت جينتري (1919–2003) وكوستا أليكس (1925–2005) والفنان الألماني فولز (1913–1951) والفنانان الفرنسيان هنري ميشو (1899–1984) وأندريه بودان (1895–1979). بمساعدة الكاتب هنري ميلر (1891–1980)، وجد مُعلا غرفةً رخيصةً تحمّل فيها سنوات باريس العصيبة تحت الاحتلال الألماني. خلال هذه الفترة، استلهمَ من اللوحات التاريخيّة العظيمة من القرن التاسع عشر، ولا سيما لوحات غوستاف كوربيه وجاك لوي دافيد وجان أوغست دومينيك إنغر.
خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، أنجزَ معلا رسوماً قصصيّة ومائياتٍ صغيرة الحجم صوّرت الحياة الباريسية. أصبحت ديكورات المقاهي والحانات والمشاهد الدرامية لبيوت الدعارة والأجواء النابضة بالحياة في أسواق الشوارع والزوايا السياحية في المدينة مواضيع مفضلةً له. من خلال هذه الأعمال، طوّر لغة بصرية جاذبة أصبحت أسلوباً مُميزاً له.
في عام 1954، أقام مُعلا أوّل معرضٍ فرديٍّ ناجح له في غاليري "دينا فييرني" الشهيرة، تلاه معارض في غاليري "مارسيل بيرنهايم" عام 1958 وغاليري "برونو باسانو" عام 1964. لقد بلورَ عملُه، الذي ضمّ مشاهدَ مختارة من المقاهي والشوارع الباريسية، نهجاً سردياً للتشخيص التعبيريّ.
كانت الدائرة المقربة من الفنانين والكتاب الذين التقى بهم معلا، ومن بينهم مويس كيسلينج (1891–1953) وفوجيتا (1886–1968) وعابدين دينو (1913–1993) وماكس جاكوب (1876–1944) ويوكي ديسنوس (1903–1966) وجان كوكتو (1898–1963)، مصدر إلهامه في كثير من الأحيان، ولقد صُوّرَ هؤلاء أحياناً في رسومه.
تَظهرُ خلفيته كرسّام هجّاء ومعرفته بالتعبيريّة الألمانيّة المبكّرة في أعماله من مرحلة منتصف مسيرته الفنيّة، حيث تُذكّر بعض البورتريهات بلوحات أوتو ديكس (1891–1969) وجول باسين (1885–1930)، وإن كانت بدرجة أقل حدّة، وأكثر حزناً. وبرغم ما أنجزَهُ، أصبحت أعماله اللاحقة أكثر تكراريّة وزخرفيّة لكن مع الحافظ على مسحة فريدة من الحزن.
السنوات الأخيرة
عانى مُعلا من الاكتئاب وإدمان الكحول في سنوات ما بعد الحرب. وبحلول منتصف الخمسينيات، تدهورت صحته النفسيّة بشكل كبير. في عامي 1956 و1957، أُعيدَ إلى "معهد سانت آن للطب النفسي". خلال تلك الفترة، سانده كلٌّ من لويس ليرمين (تاريخ ميلاده ووفاته غير معروفين) وتاجر وجامع الأعمال الفنية أوسكار غيز (1905–1988)، وناقشا اتفاقيات خاصّة لتشجيعه على الرسم. إلا أن مزاج مُعلا المتقلّب وإفراطه في الشرب وخوفه العميق من الشرطة أدوا إلى اعتقاله مرّات عدّة. ازدادت مخاوفه مع تقدّمه في السن، ونشأ لديه خوف شديد من الموت. في عام 1958، تعزّزت شهرته المأساوية بنشر رواية "مُعلّا" للكاتب والعارض الشهير يوكي ديسنوس، بالإضافة إلى إشادة جان كوكتو به، الذي وصفه ب"بالتركي البوهيمي".
في أوائل الستينيات، التقى مُعلا براعيه ومقتني أعماله فرناندي أنجلس. في عام 1962، نُقل إلى منزل أنجلس الصيفيّ في قرية ريّان الصغيرة جنوب فرنسا. ومع ذلك، في عام 1967 نُقل بعد إصابته بانهيار عصبيّ حاد أولاً إلى المستشفى ثم إلى دار أيتام في مان، حيث توفي. بعد أكثر من 30 عاماً على مغادرته تركيا، وفي عام 1974، أُعيد رفات مُعلا أخيراً إلى وطنه بمساعدة الرسامة والسيدة الأولى السابقة لتركيا، إميل كوروتورك (1915–2013) حيث دُفن في اسطنبول.