السيرة الذاتية
وُلدَ حامد عبد الله في العاشر من أغسطس 1917 لأسرة من الفلاحين المصريين الذين هاجروا إلى القاهرة في مطلع القرن العشرين واستقرّوا في منطقة المنيل في الروضة. أعتاد الفتى على مساعدة والديه في العمل في الأرض، وقد تردّد صدى هذا الارتباط العميق بالأرض طوال حياته وعمله. التحقَ عبد الله بمدرسةٍ قرآنيّة قريبة. وعندما حان موعد التقدّم إلى الجامعة، التحقَ بكلية الفنون التطبيقيّة بقسم الحديد المطاوع. تأثّرت فترةُ وجوده هناك بالاشتباكات مع أساتذته والتي أدّت إلى طردِه. قرّر التقدم إلى كلية الفنون الجميلة سعياً للحصول على تعليم ملائمٍ، إلّا أنّه مُنع من الالتحاق.
يمكن إرجاع أقدم لوحات عبد الله إلى منتصف ثلاثينيّات القرن الماضي عندما كان روّاد المقاهي بمثابة الموديلات الأولى له. في عام 1938 عرضَ عبد الله مجموعة مختارة من لوحاته في "صالون القاهرة"، ودعا موديلاته معاملاً إياهم كضيوف شرف. بهذا العرض الأوّل لأعماله، قدّم عبد الله نفسه كفنان وبطل للناس العاديين.
أقامَ عبد الله معرضه الأول عام 1941 في غاليري حورس في القاهرة. وفي صالون القاهرة لعام 1941 تقاطعت طرقه مع طرق تحية حليم (1919–2003). وبالرغم من الفوارق الجليّة بين خلفيّة كل منهما الاجتماعيّة والاقتصاديّة، اكتشفَ هذا الثنائيّ الفنيّ شغفاً مشتركًاً. أسّسا "أتوليه عبد الله" عام 1942 وسط القاهرة. واصلَ عبد الله على مدار العامين التالييَن عرضَ أعماله في معارض مختلفة في القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية وبورسعيد وبور توفيق. تزوّج عبد الله بحليم عام 1945 وقرّرا الانتقال إلي باريس عام 1949. خلال تلك السنوات، اشتغلَ عبد الله على الحروف العربية، كما هو واضح في عمل "صورة ذاتية" عام 1947، مستخدماً فيها اسمه الأوّل لتجسيد الوجه. استمتعَ عبد الله حتى نهاية حياته بالإمكانيات اللامتناهية للغة العربية بشكليها المنطوق والبصري.
دُعي عبد الله للمشاركة في معرض "مصر-فرنسا" الذي استضافه جناح دي مارسان بمتحف الفنون الزخرفيّة بباريس عام 1949، وأقام معرضاً مفصليّاً في غاليري بيرنهايم-جون عام 1950. في عام 1951، توقّفت حليم عن دراستها وعادت إلى القاهرة. فقد تعقّد زواجها من عبد الله، وأعلنا طلاقهما عام 1957.
بين عامي 1953 و1955، شرعَ عبد الله بسلسلةٍ من اللوحات تحت عنوان "شمّ النسيم"، ولاقت نجاحاً كبيراً، ونُفّذت على الكريستال بواسطة "ستوبين چلاس" في نيويورك. وقد عُرضت في معرضٍ جماعيّ بعنوان "فنانون آسيويون على الكريستال"، وتنقّل المعرض بين عامي 1956 و1958. نشطَ أتوليه عبد الله حتى عام 1956، حيث كان عبد الله يتنقل ذهاباً وإياباً بين أوروبا ومصر. قبل مغادرته الأخيرة، أقام عبد الله معرضاً استعادياً لا يُنسى بعنوان "مصر، ملتقى الحضارات" في قصر الفنون الجميلة في القاهرة.
في أكتوبر 1956، إثر العدوان الثلاثيّ، وعلى الرغم من تحفّظاته تجاه النظام المصريّ، رفضَ عبد الله بإصرار العيش أو عرض أعماله في البلدان التي كانت في حالة حرب مع مصر. كان قد تزوج من الممرضة الدنماركية كيرستن بلاخ (1932–2022) وقرّرا الهجرة اختيارياً إلى الدنمارك. تأقلمَ عبد الله مع موطنه الجديد سريعاً، وعرضَ أعمالَه وافتتح استوديو آخر في كوبنهاغن. في عام 1957، أقام عبد الله معرضاً بعنوان "مصر عبد الله" في باليرمو. وتبينَ عمق أثر المكان على الفنان، فقد جذب التناغم الناتج عن اندماج الثقافات المختلفة حساسيته للوحدة والتواصل، لافتاً الانتباه إلى الجذور الأوروبية في التراث العربيّ والإسلاميّ. ابتداءً من عام 1958، اعتمد الفنان على معرفته بفنّ الخط لتصوير الصور التي أطلقَ عليها: أشكال الكلمات أو الكلمات المجسمنة أو الحَرفية التعبيرية. كان العقد الذي أمضاه عبد الله في كوبنهاغن مثمراً، حيث عرضَ أعماله في جميع أنحاء البلاد، وفي معارض متنقلة في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة وآسيا. وَصَلَت الدنمارك عبد الله بحركةِ "كوبرا" وفنانين مثل هربرت جينتري (1919–2003)، ومجموعات مثل ديسيمبريستيرن ودن أنونيم.
على الرغم من نجاحه، قرر عبد الله وزوجته مغادرة الدنمارك، إذ شعرَ بالعزلة عن أقرانه العرب. كان قد أثبتَ نفسه كشخصيّة مركزيّة في باريس أمام العرب المقيمين والعابرين، وقد عادَ إليها عام 1966. مع الحرب العربيّة الإسرائيليّة عام 1967، كان دفاع عبد الله عن القضيّة الفلسطينيّة مناهضاً إلى حد كبير للمناخ السياسيّ الأوروبيّ، وقد قطعَ جميع علاقاته مع مروّجيّ الأعمال الفنيّة في فرنسا بسبب دعمهم لإسرائيل.
مع عدم تمكنه من العثور على مساحات عرض في أوروبا وسعيه إلى ترسيخ موقفه إزاء القضيّة الفلسطينيّة، عادَ عبد الله إلى عرض أعماله في الشرق الأوسط. في الوقت ذاته، ندّدَ الفنان بأنظمة العالم العربي الدكتاتوريّة غير الكفؤة. في عام 1967، أقام عبد الله معرضاً استعادياً في المتحف الوطني في دمشق بسوريا. وعرضَ أعماله في بيروت لأوّل مرة عام 1968 في "غاليري وان" ضمن معرض بعنوان "لو ڤيرب 1957–1967 Le Verbe 1957–1967". في الستينيات، بدأ بإنشاء أشكالٍ مؤنسنة من الحروف. لقد كشفت مرحلة "الطلاسم" عنه كفنان يتمتّع ببراعة كبرى وبإمكانه تحويل الأجسام والأشكال وصناعة نظام كتابةٍ سحريّ خاصٍّ به. في منتصف السبعينيات، عاد عبد الله إلى رسم مواضيع مستوحاة من الطبيعة، مع مجموعات مثل أهل الكهف (قصة النيام السبعة، أو أصحاب الكهف) مستخدماً كلا المرجعيتيّن التوراتيّة والقرآنيّة، ومجموعة أخرى مستوحاة من الكهوف والتكوينات الطبيعية، فيما يعرف بمرحلة التشنجات (convulsions period) لديه. أقامَ الفنان المزيد من المعارض في السبعينيات والثمانينيات.
تبرّع عبد الله بجميع اللوحات المتبقية من معرض غاليري وان عام 1968 إلى "متحف التضامن الدولي في فلسطين" الذي كان مرتقباً حينها، مُظهراً دعمه الكبير للقضيّة. خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة، تعرّض المتحف للقصف واختفَت اللوحات منذ ذلك الحين. لكن هذه الهبة المكوّنة من 119 لوحة وثلاثين عملاً غرافيكيّاً كانت أضخم ما قُدّم للمتحف من أجل فلسطين.