نبذة
يُعتبر إسماعيل فتاح الترك (1934–2004) من أبرز الفنانين العراقيين، حيث كان له تأثيرٌ كبيرٌ على تطور النحت العراقي، إلى جانب كونه رساماً مبدعاً. بدأ مساره الفني عام 1952 عندما انضم إلى معهد الفنون الجميلة ببغداد، حيث درس الرسم (تخرَّج عام 1956) والنحت (تخرّج عام 1958). انتقل الى روما في بداية الستينيات لإكمال تعليمه الفني في أكاديمية الفنون الجميلة حيث حصل على دبلوم في فرع النحت عام 1963 وآخر في فن السيراميك في معهد سان جاكامو عام 1964.
اكتشف فتاح خلال فترة إقامته في روما تقاليد وتقنيات الفن الأوروبي الحديث، وكرّس وقته لتنفيذ أعمال نحتية ولوحات ورسومات يغلب عليها الطابع الحديث. بعد عودته الى بغداد في منتصف الستينيات، أقام معرضه الشخصي الأول الذي قدّم فيه لوحاته الزيتية ومنحوتاته التجريدية الجديدة التي أظهرت اختلافاً عن الأعمال الفنية الشائعة في بغداد آنذاك. ويعتبر هذا المعرض من أهم المعالم الطليعية في تاريخ الفن العراقي. تُركّز معظم أعماله الفنية على تجربة الجنس البشري وجسم الإنسان وعلاقته بالفراغ.
السيرة الذاتية
يُعد إسماعيل فتاح الترك من أبرز الفنانين التشكيليين والنحاتين في التاريخ الحديث للعراق، وهو من مواليد عام 1934 بمدينة البصرة في العراق. بعد إكمال تعليمه الثانوي في الناصرية، بدأ فتاح دراسته الفنية في معهد الفنون الجميلة في بغداد الذي التحق به عام 1952، ليحصل على دبلوم في فرع الرسم عام 1956 وآخر في النحت عام 1958. تتلمذ في المعهد على يد شخصيات رائدة ومؤثرة، سواء في عالم الرسم مثل فائق حسن (1914–1992)، أو النحت مثل خالد الرحال (1926–1987). كما كان إسماعيل فتاح مولعاً بفن وشخصية جواد سليم.
كان الفن في بغداد في هذه الفترة يشهد صراعاً محتدماً بين مزاوجة الحداثة والتراث، وكانت جماعة بغداد للفن الحديث التي أسسها سليم عام 1951 تركز على قضية الخصوصية والأصالة في الفن العراقي الحديث. تأثر فتاح بأفكار جيل الرواد وكان عضواً في هذه الجمعية. كما شارك في بعض المعارض الجماعية في نهاية الخمسينيات مثل "معرض بغداد للرسم والنحت" الذي أٌقيم في نادي المنصور عام 1957، و"معرض المرفوضات" الذي أُقيم عام 1958 في قاعة الاتحاد النسائي العراقي ببغداد.
سافر فتاح إلى إيطاليا في بداية الستينيات ضمن منحة دراسية لاستكمال دراسته الفنية، ونال دبلوماً في النحت عام 1963 من أكاديمية الفنون الجميلة بروما، وآخر في فن السيراميك من معهد سان جاكامو سنة 1964. أغنى الفنان خلال إقامته في إيطاليا رؤيته الفنية وتبنى أسلوب النحت الحديث، كما تدرّب على استخدام الألوان بدون خشية، وأقام معرضين للرسم والنحت حصد إثرهما جوائز واعترافات نقدية عن أعماله الفنية كنحات ورسام وخزّاف. وخلال نفس الفترة، تعرّف على زوجته الألمانية الفنانة التشكيلية ماري-لويز شيك (ليزا فتاح، 1941–1992). عاد فتاح الى العراق في منتصف الستينيات ليتم تعيينه مدرساً للخزف والنحت حتى منتصف التسعينيات.
يَعتبر الناقد العراقي عادل كمال أن فتاح هو أحد أبرز الشخصيات الفنية من جيل ما بعد 1958، إذ كان مهتماً بالتقنيات الفنية الحديثة بالإضافة إلى الثقافات القديمة لبلاد الرافدين. وآمن بأن الحداثة ليست مجرد تقليد للعادات أو تكرار لأشكال أوروبية، بل في الاستكشاف العميق لمدى تأثيرها، واستحضار عناصر متنوعة من ثقافات القرون الوسطى والقديمة، وبشكل خاص من تراث الشرق الأوسط. وكما كان عليه الأمر بالنسبة لجواد سليم، كان فتاح متأثراً بالفنون المحلية والحضارات القديمة (الرافدية، المصرية، والشرقية عموماً).
تمتاز المسيرة الفنية لفتاح بوعيه الداخلي والتزامه بالتراث العراقي والعربي، الذي وظّفه ضمن سياقات تاريخية ومعاصرة. تتناول أعماله الفنية مواضيع مبتكرة، يغلب عليها الطابع الثوري والإنساني، مع التأكيد على هوياته المتنوعة، سواء الأوروبية أو العربية.
برزت الرؤية الفنية والشخصية لإسماعيل فتاح في المشهد الفني لبغداد، وأقام معارض في بغداد وبيروت. استحوذ هذا الفنان على اهتمام الجمهور من خلال ثلاثة معارض أقامها عام 1965، كان أولها المتحف الوطني للفن الحديث (كولبانكيان)، والثاني في قاعة الواسطي، والثالث في "جاليري وان" في لبنان. أثارت هذه المعارض الكثير من الجدل بسبب قوة وحداثة أعماله على مستوى التشكيل واللون، وقد وصفها بعض النقاد بأنها من الأبرز التي أُقيمت في العراق خلال الستينيات، حيث كسرت الأعمال التجريدية التي عرضها حاجز الواقعية التقليدية في الفن العراقي الحديث.
وفي تحليله للأعمال التي قدّمها في معرض عام 1956 في المتحف الوطني للفن الحديث، قدّم الفنان ضياء العزاوي (1936–) إضاءات مهمة على أعمال فتاح قائلاً إنها تشكل محطة محورية في المشهد الفني العراقي في فترة الخمسينيات، فكانت مبتكرة ومختلفة بمواضيعها عما كان سائداً لدى الفنانين وما اعتاده الجمهور في تلك الفترة، فأتت غارقة في عوالِم حالمة خالية من الأبعاد والرؤى المألوفة. بدا وكأن الأعمال تُحلِّق في فضاء مسطّح وشاسع وتتبنى معالِم جمالية أقرب ما تكون إلى التجريد، وتمتاز بأشكالها الهندسية، حتى أن العزاوي شبّه هذا المعرض بنشيد صوفي غارق في الوجد والتأويل. هذه الاستعارة تُظهر الطبيعة الآسرة والعابرة للحدود لأعمال فتاح، إذ تمثل دعوة للجمهور للانخراط في تجربة حسية وروحية عميقة.
إلى جانب معرض "ملحمة الشهيد" للفنان كاظم حيدر (1932–1985) الذي نُظِّم عام 1965، عُرضت أعمال فتاح في نفس السنة في قاعة الواسطي، وشّكل هذان المعرضان حدثين مهّدا الطريق أمام حركة امتزجت بروح الثورة والمغامرة والتحدي. ويُنظر إلى فتاح باعتباره أحد مؤسسي هذه الحركة التي قدمت رؤية جديدة "لجيل الرواد" وكان له إسهامات بارزة في دمج عناصر تمثل الطابع العربي والعراقي والعالمي، لا يمكن ذكرها ضمن ثلاثة أجيال متعاقبة.









