سيرة ذاتية
وُلد جلال بن عبد الله في السادس عشر من مايو 1921 في باب منارة في مدينة تونس، وتوفي في التاسع من نوفمبر 2017 في منزله في سيدي بوسعيد، في منطقة ضواحي تونس، حيث كان يسكن ويعمل منذ عام 1939.
هو من عائلة من الطبقة العليا من سكان مدينة تونس القديمة الأصليين. كان لوالده عربي بن عبد الله مرتبة رسمية رفيعة في "الباي". درس جلال بن عبد الله في مدرسة ثانوية كارنو (ليسه كارنو) الفرنسية، حيث تعلم الرسم بعد تشجيع أحد أساتذته موريس بيكار. تزوج من لطيفة باش حامبة عام 1957، وهي بدورها فنانة وملهمة مصمم الأزياء التونسي عز الدين علية.
جلال بن عبد الله فنان علم نفسه بنفسِه، وقد مارس الرسم والتصوير منذ عمر مبكر. بدأ بشكل أساسي برسم المنمنمات، وأقام معرضه الفردي الأول في السادسة عشرة من عمره في مقهى بغداد في تونس. ظهرت رسومه الأولى في مجلة ليلى في الثلاثينيات. بحلول نهاية الثلاثينات، كان قد بدأ بالتردد على مدرسة تونس (إيكول دو تونيز) وجماعة المثقْفين التونسيين "تحت السور". في تلك الفترة ذاتها تقريباً، أخذ يهتم بتقنيات وصياغات مختلفة مغايرة لرسومِ المنمنمات، مثل اللوحة المسندية. التحق بمدرسة الفنون الجميلة في تونس في العام 1948، لأقل من فصلٍ واحدٍ، حيث فاز في ذاك العام بأولى جوائزه الجائزة الأولى للتصوير التونسي، وحصل على منحة من أجل الدراسة في باريس. أمضى هناك خريفي 1948و 1949، متبعاً صفوفاً في أكاديمية لاغراند شوميير، وصادق رسامين إسبانيين من قاطني مونبارناس، مثل أوسكار دومينغيز وأورلاندو بيلايو وأنطوني كالفيه. في عام 1949، سافر إلى إيطاليا في إقامة لمدة ثلاثة أسابيع في فيلا ماسيمو في روما.
في الخمسينيات، بدأ بن عبد الله العمل على مشاريع تزيينية، شملت صياغات متعددة، وانطوت على تقنيات جديدة مثل التصوير الجداري، والنحت، والخزف، والزجاج المعشق. في عام 1951، كلفته الحماية الفرنسية للمرة الأولى بتنفيذ لوحتين تزيينيتن حول اليونان القديمة في مبنى عام لمدرسة البنات في سوسة في تونس، (اكتملت عام 1952). بعد ذلك، أوفِد في العام ذاته إلى باريس لإنجاز جدارية للبيت التونسي في المدينة الجامعية في باريس، (اكتملت عام 1953)، حيث صوّر مشهداً تونسياً داخلياً لنساء يمارسن النسيج والخياطة والحياكة. عاد جلال بن عبد الله إلى تونس عام 1953 وتابع ممارسة الفن في محترفه المنزلي في سيدي بوسعيد.
بعد تحرر تونس عام 1956، صاغ جلال بن عبد الله أيقونيةً وطنيةً. فلقد تعاون مع الدولة التونسية لتصميم طوابع وتأليف أعمال فنية لتزيين المباني والفنادق الرسمية. من بين طوابعه اللافتة مجموعات أزياء الزفاف المحلية (1967)، والآلات الموسيقية التونسية (1970)، والحيوانيات (1986). ومن بين أعمال التزيين التي كُلف بها، لوحة البلاطات الخزفية ذات الوجهين التي صُممت لفندق "النخيل" في المنستير (1961)، وبوابة غرفة الطعام المطلية ولوحة الزجاج المعشق لفندق "يوغرطة" في مدينة قَفْصَة (1963)، والجدارية الخزفية في قصر المؤتمرات في بنزرت (1963). عمل جلال بن عبد الله أيضاً مصمماً مسرحياً على مدار ثلاثة عشر عاماً في مسرح بلدية تونس، والذي انضم إليه عام 1957. وكان واحداً من الجيل الأول من الرسامين التونسيين الحداثويين وعضواً أساسياً في جماعة "مدرسة تونس École de Tunis" التي انضم إليها عام 1944. وقد تأسست "مدرسة تونس" عام 1935 بواسطة تجمع من خريجي مدارس الفنون الجميلة التونسية، وشكلت أول موجة في الحداثة الفنية التونسية. بعد انتهاء الحماية عام 1956، أصبحت مدرسة فناني تونس (من بينهم عبد العزيز قرجي، وصفية فرحات، وحاتم المكي) مركزاً لتطوير الخطابات والممارسات الجمالية القومية.
استفادت الجماعة من الدعم المالي والمؤسساتي، داعمةً وممكنةً التكليفات لأعمال فنية عامة على نطاق واسع. في عام 1950، انضم جلال بن عبد الله إلى اللجنة المسؤولة عن التكليفات الفنية العامة، وكان الفنان التونسي الوحيد فيها، وبقي عضواً فيها على مدار عقدين بعد الاستقلال. ولذا، كان جلال بن عبد الله شخصية مؤثرة، امتلك صلاحيات صنع القرار على مستوى مؤسساتي. وحقق نجاحاً تجارياً منذ أوائل السبعينيات، واستمر في ممارسة الرسم حتى نهاية حياته.
عدا عن أعماله الفنية العامة، وضْع التصاميم والتكليفات التزيينية، تألف عمله بشكل أساسي من رسم المنمنمات، والأكريليك على الورق والخشب، وألوان الغواش. وبوصفه عضواً في "مدرسة تونس"، سعى جلال بن عبد الله إلى إبداع أعمال تعكس الروح أو الشخصية التونسية. ومن هنا، جاءت أعماله مستوحاة من مجموعات لونية وتأثيرات ضوئية وعناصر ورموز نموذجية، ومشاهد تقدم تجربة تونسية مثالية. وتعتبر معظم أعمال جلال بن عبد الله تشخيصية وتصور الحياة اليومية، مثل أماكن مخصصة للنساء ومجسدة في مناخ فترة ما قبل الاستعمار، والكائنات البحرية المحلية، والأساطير المتوسطية، والحيوانيات والنباتيات، والفواكه والخضروات، والمناظر البحرية. تبدو في عمله ملامح روح سوريالية حالمة وأخاذة. يمكن إرجاع هذه النزعة إلى اتصاله بالمدرسة السوريالية الإسبانية في باريس. سابقاً في أعماله، استوحى جلال بن عبد الله الإلهام من رسامي عصر النهضة الإيطاليين الأوائل، الذين استعار منهم تقنيات الظلمة والنور chiaroscuro والمنظور الهوائي. على امتداد حياته المهنية، لم يتوقف جلال بن عبد الله عن الاشتغال على المنمنمات، والتي ظهرت عليها تأثيرات رسوم المنمنمات الإسلامية، خصوصاً في طريقة تصويره [رسمه] لملامح الوجه وتضمين تقنيات التذهيب واختيار تمثيل المشاهد التي تستحضر الأمثال الصوفية.
عرض جلال بن عبد الله أعماله على نطاق واسع وشارك في العديد من المعارض الجماعية، خصوصاً في العالم العربي وأوروبا الغربية. وشارك في بينالي البندقية التاسع والعشرين عام 1958، وبينالي إكس في ساو باولو عام 1969، ممثلاً تونس إلى جانب عمار فرحات وعلي بلاغة وإبراهيم ضحاك وعبد العزيز قرجي وآخرين.