سيرة ذاتية
وُلدت ليلى نصير عام 1941 في مدينة اللاذقية الساحلية السورية لأسرة محبّة للثقافة. كان والدها موسى نصير قائم مقام وقد شجعها على دراسة الفن. بحكم عمله، تنقّلت العائلة في المدن السوريّة. لذا، قضت ليلى جزءاً من طفولتها في الشمال السوري في قرية راجو الجبلية الوعرة المجاورة لمدينة عفرين. هناك راقبت الحياة الريفيّة وتأثرت بمظاهر الفقر ومشاهد الأطفال الحفاة والفلاحات وعملهن المضني وأعجبت بصلابتهنّ. كانت والدتها وديعة رباحية مولعة بالأدب والفلسفة وقد حرّضتها على قراءة الأدب الغربيّ والعربيّ مثل أعمال شكسبير وبودلير وطه حسين وجبران خليل جبران. اعتبرت ليلى نصير أن والدتها كانت "مفتاحها" إلى الفن. في سنّ المراهقة، تطوّعت ليلى في واحدة من المستشفيات العامّة في سوريا وتدرّبت كممرضة لمدة أربعة أشهر. كان ذلك إثر العدوان الثلاثي على مصر (حرب السويس) عام 1956، حيث عاد الجنود السوريون مصابين من مصر.
بعد أن أنهت دراستها الثانوية عام 1958 وبفضل تفوّقها الدراسي، حصلت على فرصة لمنحة دراسيّة في مصر ضمن نظام المنح الدراسيّة بين سوريا ومصر في ظل حكومة الوحدة بين البلدين (الجمهورية العربية المتحدة 1958- 1961). في مقابلة الترشح للمنحة التي جرت في مديرية التربية في اللاذقيّة، امتحنها الفنان الفلسطيني المقيم في سوريا آنذاك إبراهيم هزيمة (1933-2023)، ولاحظ أنها تمتلك مهارات لافتة في الرسم، فقبلها. عند انتقالها إلى مصر عام 1959 لدراسة الفنّ في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، خضعت لامتحان قبول دام لمدة أسبوع، وكان أحد الأساتذة المشرفين الفنان المصري حسين بيكار (1913-2002) والذي أصبح معلمها ومرشدها طوال سنوات دراستها في الكلية.
كانت لدى ليلى في البداية الرغبة في دراسة النحت، حيث كانت معجبة جداً بنحت الحضارات السورية القديمة خصوصاً الأوغاريتيّة وفن مايكل أنجلو، إلا أن أساتذتها، ومنهم بيكار، رأوا في موهبتها في الرسم ما يجعلها قادرة على أن تصبح رسامة، مما دفعهم إلى تشجيعها على دخول قسم الرسم. تدرّبت بشكل أساسي على الرسم الواقعي. وبحسب الفنانة، فإنها قد تأثّرت في تلك الفترة فنيّاً وفكريّاً بمشاهد الفن المصري القديم، وأيضاً بالفن المصري الحديث، خصوصاً أعمال الفنان محمود مختار (1891-1934). تخرّجت ليلى عام 1963، وفي مشروع تخرجها رسمت سلسلة بأسلوب تعبيريّ تصور أطفالاً من ذوي الإعاقات الذهنية، كانت تراقبهم وترسمهم في أحد دور الرعاية في القاهرة. عادت نصير إلى سوريا في العام ذاته وعملت معلمة فنون في المدارس الحكومية في اللاذقية، ورسمت مشاهد المدينة بأسلوب تعبيري تجريدي.
في منتصف الستينيات طوّرت نصير نظرة إنسانية عن العالم، وتأثّرت بشدّة بالحروب والظلم. يتضّح منظورها هذا في لوحاتها مثل "العنصريّة" (1965) ولوحة "الفيتنام" (1966). عندما تأسّست نقابة للفنون الجميلة في سوريا عام 1969 (حالياً اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين) كانت ليلى من أوائل المنتسبين إليها. بين عامي 1969 و1972، سجّلت ليلى يومياتها على كرّاسة فريدة أسمتها لاحقاً "دفتر الشعر والنحت". تضمّن الدفتر يوميات شعريّة من شعر التفعيلة (الشعر الحرّ)، وبعض القصص القصيرة، ورسوماً تخطيطيّة لأعمال نحتيّة. كشفت الرسوم عن رؤية فنيّة تدمج بين عناصر من نحت الحضارات المحلية مثل الديمومة والصلابة من جهة، مع مفاهيم حديثة مثل اختزال الأشكال والأسطح بأسلوب تكعيبي.
في أوائل السبعينيات انتسبت ليلى إلى اتحاد التشكيليين العرب. وفي تلك الفترة غادرت اللاذقية إلى دمشق مخالفةً رغبة والدها، حيث أقامت في دمشق في استوديو من 12 متراً، ما قيّد خياراتها العملية في الفن. وفي العام 1972 بدأت العمل معلّمة لمادة الرسم في دار المعلمين بدمشق. أثناء عملها على واحدة من نسخ لوحة "الفيتنام" في النصف الأول من السبعينيات، استخدمت الفنانة يديها العاريتين فتسرّبت المواد الكيميائية إلى جسدها وأصيبت بمضاعفات صحيّة خطيرة، لم يتمكن الطب في سوريا من شفائها. لذا، أوفدتها الدولة السورية إلى فرنسا للعلاج عام 1974، حيث قضت فترة علاجها وعادت إلى دمشق. إلا أنها عانت صحياً من جديد في مطلع الثمانينيات، حيث تقدم لها فاتح المدرّس (1922-1999) نقيب الفنانين في ذلك الوقت بطلب سفر للعلاج عام 1981 حيث سافرت مجدداً إلى فرنسا.
في أوائل الثمانينيات عملت مدرّسةً لمادة الرسم في كلية الفنون الجميلة بدمشق. وفي عام 1982 عندما كان "الغزو الإسرائيلي على لبنان" قائماً وفي أوجه، توجّهت ليلى إلى جنوب لبنان "لرغبتها بخوض التجربة معيشيّاً" حسب تعبيرها، ولكي ترسم المقاومين، وأنجزت بعد رحلتها تلك أعمالاً من بينها لوحتيّ "أرنون والجنوب اللبناني" و"بيروت تحترق" (أنجزتا بين عامي 1982 و1985). عادت إلى دمشق حيث أقامت حتى أواخر الثمانينيات. لكن بسبب قسوة الظروف المعيشية والاقتصادية ومرض والدها أُجبرت على الرجوع نهائياً إلى اللاذقية حيث أمضت بقية حياتها، محتفظةً بمرسمها في دمشق تزوره من وقت لآخر. استمرت بنشاطها الفنيّ في اللاذقية وعملت خلال التسعينيات مدرّسةً للرسم في كليّة الهندسة المعماريّة بجامعة تشرين.
في أعمالها، صوّرت المرأة وعبّرت عن نسويتها من خلال مشاركتها في معارض ذات صلة، منها "المرأة العربيّة والإبداع الفنيّ" في دمشق عام 1975، ومعرض "ملتقى عمّان الأول للفنانات التشكيليات العربيّات" بعمّان 1996 و"المعرض النسائي الدولي" في مدينة بون 1986. بالإضافة إلى ذلك، كتبت عن الفنانات، وشاركت تجاربها ورؤاها حول نفسها وزميلاتها، مثل تمثيلها الفنانات خلال محاضرة لها على هامش معرض "عيون عربية" الذي أقيم عام 1995 في متحف الشارقة، وعندما كتبت دراسة بعنوان "مساهمة الفنانات السوريّات في الفن التشكيلي السوري" نُشرت ضمن إطار معرض في صالة "بلدنا" في عمان 1996.
بالرغم من إرسالها للعلاج من قبل الحكومة وحصولها على جائزة الدولة التقديرية من وزارة الثقافة للعام 2014، شعرت بالإهمال، خصوصاً في سنواتها الأخيرة. وكانت تعبّر باستمرار عن شعورها بالظلم من المجتمع الفني السوري، وشعورها بالتهميش لمجرد أنها امرأة. توفّيت في دار الرعاية في اللاذقية في 15 أغسطس 2023.