سيرة ذاتية
ينحدر محمود حمّاد من أصول فلسطينية من مدينة نابلس. شغلَ والده أمين حكمت حمّاد في بدايات القرن العشرين منصب المدير لعدد من دوائر البريد والبرق في زمن الحكم العثمانيّ، ما جعله يتنقل مع أسرته بين عدة مدن ضمن بلاد الشام. أما والدة محمود حمّاد فهي زكيّة الحلاج مصريّة تركيّة، توفيت باكراً وقد رسمها حمّاد مرّات عدّة من مخيلته. تلقّى محمود حمّاد تعليمه الابتدائي والإعداديّ في المدارس الإيطاليّة في دمشق، وبدأ فيها ممارسة الرسم بتشجيع من راهبٍ عُرف بالأب لودفيكو. في عام 1939 زار إيطاليا راغباً بالاطلاع العميق على الفن، إلّا أن اندلاع الحرب العالمية الثانية قد أجبره على العودة. شارك حمّاد عام 1941 في معرض الفنانين السوريين في معهد الحقوق بدمشق، وهذا المعرض يعدّ أحد أهم المعارض في تاريخ الفن في سوريا. في العام ذاته اشترك مع فنانين سوريين في إنشاء مرسم فيرونيز الذي استمر نشاطه حتى عام 1950، ومن ثم عام 1943 في تأسيس الجمعية العربية للفنون الجميلة التي لم تدم سوى عامين. كانت ممارساته الفنيّة في تلك الفترة بمعظمها تجريبيّة، وكان اطلاعه على مدارس الفن العالمي قادم من الكتب مثل الكثير من الفنانين السوريين معاصريه. أتت معظم أعماله بالألوان الزيتية والأكرليك على القماش أو ألواح الخشب وصوّر معظمها البورتريهات والمناظر الطبيعيّة ومشاهد التراث المحليّ وبعض الموضوعات الوطنيّة مثل "قصف دمشق 1945 العمل الذي يُشير إلى حادثة قصف المجلس النيابي السوري من قبل الفرنسيين في حينها.
بين عامي 1946 و1953 عمل حمّاد مدرساً للفن في ثانويات مختلفة في المدن السوريّة. عام 1950 اشترك بالمعرض الأول للفنون الجميلة الذي أقيم في المتحف الوطني بدمشق ونال الجائزة الأولى عن لوحته "معلولا". أمّا معرضه الفرديّ الأول فقد أُقيم في مقر الجمعية السورية للفنون الجميلة عام 1953. وفي العام ذاته أوفدته الدولة السوريّة إلى روما في بعثة دراسيّة، حيث درسَ فن الرسم الزيتي في أكاديمية الفنون الجميلة وتخرج منها عام 1957. خلال تلك الفترة حصل أيضاً على دبلوم في فن الميداليّة (1955).
عام 1955 انطلق من إيطاليا مع صديقه الفنان أدهم إسماعيل (1922–1963) في "رحلة إلى الأندلس بسيارته الخاصة، قاصدَين التعرّف على فنون وثقافات مدن إيطاليّة وفرنسيّة وإسبانيّة مروا بها. وقد كتب كلّ منهما مذكرات عن تلك الرحلة التي تركت أثراً على صعيد شخصي وثقافي لكليهما. أثناء دراسته في إيطاليا تقاطع حمّاد مع الفنانين السوريين فاتح المدرس (1922–1999) ولؤي كيالي (1934–1978) ومحمد فتحي (1917–1958) الذين كانوا يدرسون هناك أيضاً، كما تعرّف على الفنانة اللبنانية دريّة فاخوري (1930–2015) وعادا معاً إلى سوريا حيث تزوجا. شَهدت تلك المرحلة من مسيرة حمّاد كثافة إنتاجية وتوزعت الأعمال بين لوحات البورتريه والموديل العاري والمناظر الطبيعيّة ومشاهد المدن. لدى عودته من روما عام 1957، عُيّن حمّاد مدرّساً للفنون الجميلة في مدارس مدينة درعا السوريّة. هناك استغرق في تجارب فنيّة جديدة، وجرت في منزله لقاءات مع الفنانَين ممدوح قشلان وأدهم إسماعيل حيث شكلوا معاً "ثلاثية درعا. في تلك المرحلة أخذت تظهر المساحات والخطوط الهندسية في أعمال حمّاد وكانت بداية انشغاله بالتجريد، لكن التشخيص ظلّ موجوداً فيها وقد صوّر معظم الأعمال الفلاحين والقرويين من المنطقة.
بين عامي 1958 و1959 تمّ تأسيس المعهد العالي للفنون الجميلة كأول هيئة تعليميّة رسمية للفن في سوريا، والذي تحوّل إلى كليّة الفنون الجميلة عام 1963. منذ العام 1960 عُين حمّاد رئيساً لقسم الحفر وأستاذاً في المعهد ومن ثمّ رئيسا لقسم الفنون في الكليّة، وكان من أهم مؤسسي مناهجها النظرية والعمليّة. بحدود عام 1965 شكّل مع كلّ من نصير شورى وإلياس الزيات "جماعة د" والتي كان هدفها تقديم رؤى تجريبيّة تجريديّة. عام 1967 حصل محمود حماد على منحة اليونسكو أمضى بموجبها بضعة أشهر في روما وباريس وكانت فرصةً لإحياء روح الانفتاح الثقافي. عُين عام 1970 عميداً لكليّة الفنون الجميلة بدمشق وكان أهمّ إنجازاته في فترة عمادته إقرار الشروع ببناء الكليّة في موقعها الحالي في منطقة البرامكة وذلك حسب مخطط كان قد وُضع من قبل معماريين من إيطاليا.
في مطلع السبعينيات، كان المدّ القوميّ العربيّ في أوجه، سعى الفنانون العرب في مناسبات عدّة إلى الاجتماع لتقريب رؤاهم الفنيّة والحقوقيّة النقابية، وذلك في مؤتمرات كان حمّاد عضواً فيها، وأبرزها: "المؤتمر العربيّ الأوّل الفنون الجميلة في دمشق عام 1971، تلاه "المهرجان العربيّ الأوّل للفنّ القوميّ التشكيليّ الذي أقيم في دمشق أيضاً عام 1972 ومن ثم "المؤتمر الأوّل للاتحاد العام للتشكيلييّن العرب في بغداد عام 1973. عزّزت هذه اللقاءات من إصرار محمود حمّاد على ممارسة الحروفيّة بوصفها مدرسة جماليّة عربيّة الأصل. في أعماله الحروفيّة استخدم الآيات القرآنية مثل "سلامٌ قولٌ من ربٍّ رحيم و"لئن شكرتم لأزيدنّكم والأقوال العربيّة مثل "كلام الملوك، ملوك الكلام واقتباسات من الأشعار مثل "أعلّمه الرماية كلّ يومٍ، فلمّا اشتدّ ساعده رماني.
على امتداد مسيرته المهنية فاز حمّاد بالعديد من المسابقات الإنتاجيّة التي كانت تُقّرها الدولة السوريّة وكان أبرزها تصاميمه للأعمال النصبية مثل "نصب الشهداء 1976 في الكسوة و"نصب الجندي المجهول 1985 في قاسيون. كذلك استلم حمّاد العديد من التكليفات الفنيّة لتصميم الطوابع والميداليات الرسميّة وكان أحد أهمّها تكليف المجلس النيابيّ السوريّ له لتصميم وسام النصر الذهبيّ.
تبّنى حمّاد خلال حياته تقسيم فنّه إلى أربعة مراحل وهي: "البدايات ( 1939– 1953) و"مرحلة روما (1953–1957) وقد غلب عليهما الأسلوب الواقعيّ التعبيريّ، و"مرحلة درعا (1957–1963) التي بدأ فيها التجريد، وأخيراً مرحلة "الحروفيّة التي بدأت من عام 1964 واستمرت حتى نهاية مشواره. بعد وفاته منحته الدولة السوريّة عام 1989وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى، وكان قد حاز قبل ذلك على وسام المجلس الأعلى للفنون والآداب في سوريا عام 1977 وكذلك وسام الجمهورية الإيطاليّة برتبة فارس عام 1976.