سيرة ذاتيّة
وُلدتْ مارجريت نخلة في الإسكندريّة عام 1908 في بيئةٍ مسيحيّة وَرِعة. كان والدها يوسف محاسباً، وكانت والدتها ماتيلد ربّة منزل. كانت الأخيرة تنحدر من عائلة سيمايكا القبطيّة العريقة والثريّة، وكانت من أقارب ماركوس سيمايكا، الذي كان قد أسّسَ "المتحف القبطيّ" في القاهرة (1908). ارتادت مارجريت نخلة إعداديّة "نوتر دام دو سيون" الفرنكوفونيّة في الإسكندريّة، ومعهد جيرارد الفرنسي (المعروف اليوم بمدرسة جيرارد).
كانت نخلة واحدةً من أوائل الفنانات المصريّات اللاتي ظهرنَ خلال النصف الأول من القرن العشرين. في الواقع، إن أولى نساء معروفات كفاعلات في المشهد الفنيّ المصريّ الحديث كنّ مهاجرات أوربيّات، مثل الإيطاليّة أميليا دافورنو كاسوناتو (1878–1969) أو اليونانيّة ثاليا فلورا–كارافيا (1871–1960)، أو أخريات منحدرات من الطبقة الأرستقراطيّة العثمانيّة مثل الأميرة سميحة حسين (1889–1984). كانت مدرسة الفنون الجميلة المصريّة في القاهرة قد افتُتحت منذ العام 1908، وهو عام مولد نخلة، لكنّها كانت لغاية أوائل الخمسينيّات للطلاب الذكور حصراً. لذا، تلقّت الطموحات من الفنانات تعليمهنّ الفنيّ في حلقات خاصّة أو في الخارج. ومن هنا يقدّم مسار نخلة مثالاً على كيف يمكن للمرأة المصريّة أن تصبح فنانة محترفة في وقت كان فيه التدريب الأكاديميّ المحليّ مُخصّصاً للرجال. في البداية، تدرّبَتْ في محترفات الفنانين الأوربييّن التي كانت قد أُنشئَت في مدينتها مسقط رأسها. كانت بداية حياتها المهنيّة واعدة، حيث حصلت على الميداليّة الفضيّة من "المعرض الزراعي الصناعي" في القاهرة للعام 1931، والذهبيّة من معرض "جمعية هواة الفن بالإسكندريّة" للعام 1932عن اللوحات التزينيّة. في عام 1934، سافرَتْ إلى باريس للالتحاق بالمدرسة الوطنيّة العليا للفنون الجميلة (1934–1939) ضمن استوديو الرسّام فرناند ساباتيه (1874–1940). درسَت مع الرسّام هنري روير (1869–1938) والمصوّر الحفّار الرسام جورج ديسبانيات (1870–1950)، كما أنّها حضرت صفوفاً في "مدرسة الرسم في شارع السين" (École de dessin du 10 bis rue de Seine)، ثم انضمّت إلى المدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية في باريس (المعروفة سابقاً باسم مدرسة الرسم في شارع السين للبنات).
في عام 1948، سافرَتْ مجدّداً إلى العاصمة الفرنسية، في بعثة أطلقها السفير المصري في باريس أحمد ثروت بك. خلال إقامةٍ أخرى في باريس عام 1951، بدأت باستخدام تقنيّة الفريسكو في مدرسة الفنون الجميلة حيث سُمح لها بوصفها طالبةً سابقة. في ذلك الوقت ومن بين أماكنٍ عدّة، قامت بزيارة المعارض وحضرت المحاضرات في "مدرسة اللوفر".
إلى جانب ارتباطها بباريس، ساهمَت مارجريت نخلة دوماً في الحياة الفنيّة في مصر، حيث عادت إليها مع بداية الحرب العالميّة الثانية. كانت نشطةً على القدر ذاته في كلّ من القاهرة والإسكندريّة كعضوة في "أتوليه الإسكندرية"، جمعيّة كُرّست للترويج للفنون والإنتاج الأدبي عبر المعارض، والحفلات الموسيقيّة، والعروض المسرحيّة، والمؤتمرات.
لقد كانت مارجريت نخلة مُعلّمة بوصفها أحد أوائل الأساتذة في "المعهد العالي للفنون الجميلة للمعلّمات"، عبارة عن مؤسّسة حكوميّة تأسّست في القاهرة عام 1939. انطلاقاً من نيّة تدريب معلميّ فنون مصرييّن ليحلّوا محلّ السيدات البريطانيّات اللواتي قمنَ بهذا الدور في المدارس العامّة، شهدَ المعهد تحوّل العديد من طالباته إلى فناناتٍ مشهورات، مثل صوفي حبيب جورجي (1922–) التي كانت ضمن مجموعة السنة الأولى، ولاحقاً جاذبيّة سرّي (1925–2021) ومنحة حلمي (1925–2004). إن "كليّة التربية الفنيّة" الواقعة في حيّ الزمالك في القاهرة، هي وليدة تطوّر هذا المعهد واندماجه مع مؤسسات أخرى.
في مئات اللوحاتِ والتخطيطاتِ التي أنتجتها خلال حياتها، صوّرت نخلة الحياة اليوميّة والمدن والأرياف الفرنسيّة والمصريّة وأماكن أخرى. لقد رسمت وصوّرت، بشكل حيّ، ملتقطةً إيماءات وملامح الأشخاص في الحشود والأماكن العامّة. رأى المعلّقون الذين عاصروا نخلة تأثيراً لمناخات أماكنها على أعمالها. على سبيل المثال، رأى الناقد الفني إيميه آزار (1933–1997) وجوداً سائداً للرماديّات وللمشاعر النوستالجيّة في أعمالها الباريسيّة، في حين تتميز لوحاتها عن مصر بألوان زاهية ونظرة لاذعة إلى الواقع. تتضّمن أعمالها الباريسية مناظر لشوارع العاصمة الفرنسيّة، وعربات الأطفال في الحدائق العامة مثل حديقة لوكسمبورغ والبورتريهات ومشاهد المقاهي في بعض الأحيان. في عام 1949، رسمت "La Bourse de Paris" (بورصة باريس) في صدى لـ "La Borsa – Le Caire" (البورصة–القاهرة) التي رسمتها قبل عام 1948، مظهرةً حشدَ التجار في الأسواق المالية في العاصمتين.
في بعض الأحيان، تُلاحظُ روحٌ فكاهيّة في أعمال نخلة. على سبيل المثال، في "Le Bain Turc" (الحمّام التركيّ) (1947، صوّرت الفنانة حمامّاً عامّاً مستحضرةً الروائح الكثيفة والأصوات. نساءٌ من كل الأعمار والهيئات الجسديّة يغتسلن بنشاط، في مقاطعة ساخرة للنظرة الخيالية الغامضة والحسيّة للحمّام في الرسم الأوربيّ الاستشراقيّ. على النقيض من الحمّام النادر التمثيل من قبل الفنانين المصريّين، فإنّ عدداً كبيراً من أعمالها عن بلدها يركّز على المناطق الريفيّة وسكّانها، بالارتباط مع الموضوعات المألوفة في الرسم الحديث في مصر الفلاحون في الحقول، الحصاد، ومشاهد السوق. إلى جانب ذلك، تعتبر المشاهد الدينيّة من مميَّزات أعمالها. يستعرض بعضها القدّاس القبطي، مثل "Mariage Copte" (زواجٌ قبطيّ) (1945)، بينما تستمدّ لوحاتٌ أخرى عن الكنيسة ومشاهد التطواف من رحلاتها إلى مدينتي لورد والقدس، حيث صوّرت الأماكن المقدّسة اليهوديّة مثل "Le Mur des Lamentations" (حائط البراق أو المبكى) (1943). بوضوح أشدّ، أنتجت مجموعةً من اللوحات الجداريّة عام 1959، تحت عنوان "Les femmes dans la vie du Christ" (النساء في حياة المسيح)، لكنيسة القديسة مريم القبطية الأرثوذكسيّة في شارع المرعشلي في الزمالك (القاهرة). كما يضمُّ متحف القديس مرقص في تورونتو في كندا مجموعة من المشاهد التوراتيّة، الممنوحة من قبل الفنانة، من الستينيات والسبعينيات مرسومة بالتمبرا بأسلوب يذكر بالأيقونات قبطية.
خلال حياتها، لاقت نخلة الاستحقاق، إذ تكلّلت فترة باريس بالنجاح مع حصولها على ثلاث جوائز طلابيّة في مدرسة الفنون الجميلة في الأعوام 1936 و1937 و1939، إلى جانب العديد من المعارض بما فيها "المعرض الدولي للفنون والتقنيات" حيث فازت بالميداليّة البرونزيّة للرسم عام 1937، ودرجة التقدير من "صالون الفنانين الفرنسيين" للعام 1939. كما شاركت في معرض "مصر–فرنسا" في جناح مارسان في متحف الفنون الزخرفيّة في باريس عام 1949. عرضت في باريس ودوفيل في الأعوام 1954 و1956 و1960. منذ الأربعينيّات، نظّمت العديد من المعارض الفرديّة في مصر، وكانت من الفنانين اللذين مثّلوا مصر في بينالي الإسكندريّة للأعوام 1955، و1957، و1961، و1968.