سيرة ذاتية
وُلدت منحة حلمي في بلدة حلوان جنوب القاهرة، لأسرةٍ من تسعة أطفال. كان والدها مستشاراً قانونيّاً في وزارة التعليم، وكانت والدتها ربّة منزل. بتشجيع من عائلتها، درست حلمي الفنّ في "المعهد العالي للفنون الجميلة للمُعلّمات" حيث كانت من بين أساتذتها كل من مارغريت نخلة (1908–1977) وكوكب يوسف العسال (1909–2009) وإيما كالي عياد (1906–1989). كان المعهد الذي تأسّس في القاهرة عام 1939أوّل مؤسّسة عامة مخصّصة للشابات في مصر. وكما يكشف الاسم، فلقد كان الهدف من هذا المعهد في البداية تدريب معلّماتٍ للرسم والرسم الزيتيّ، لكنّ المنهج الدراسيّ قد تطوّر عبر السنين، ما منح الطالبات فرصة التدرّب كفنانات أيضاً. ومع صديقتها وزميلتها في الدراسة جاذبية سرّي (1925–2021)، تخرّجت حلمي عام 1948، ثمّ تابعت تعليمها لمدة عام آخر للتخصّص كمعلّمة. عندما كانت حلمي طالبةً هناك، كان المعهد يقع في بولاق، أحد الأحياء الفقيرة وسط القاهرة، هو ما وضعَ الطالبات في خضمّ الحياة اليوميّة لمناطق الطبقة العاملة. في الواقع، لقد كان حيّ بولاق وسكّانه موضوعةً تكرّرت في أعمال حلمي المبكّرة.
لقد درست رعاية حلمي (1923–2014)، شقيقة منحة، في المعهد ذاته. لم تصبح فنانةً، لكنّها مضت قدماً في الوسط الثقافيّ وتزوجت من بدر الدين أبو غازي (1920–1983)، الذي شغلَ منصب وزير الثقافة عامي 1970 و1971. هكذا، شهدَت الشقيقتان حلمي التقدّم في احترافية النساء للممارسة الفنيّة في مصر واستفادتا منه. فقبل إنشاء المعهد، كان طريق الاحترافية مخصّصاً لنخبة اجتماعيّة-اقتصاديّة تدرّبت في أوروبا على نفقتها الخاصة أو مع مدرسين خصوصيين.
في عام 1953، حصلت حلمي على منحةٍ دراسيّةٍ من الحكومة المصريّة للدراسة في لندن. التحقت بمدرسة "سليد للفنون الجميلة" في الرسم والحفر (1954-1955). انضمّت جاذبية سري إليها في العام التالي، حيث تخرّجتا عام 1955. خلال سنوات دراستها في مدرسة سليد، كان معلّمها الفنان الرسّام جون ألدريدج (1905–1983). شملت أعمالها من تلك الفترة لوحات العاريات والبورتريهات بأسلوبٍ أكاديميّ. لقد تخصّصت في الحفر وجربت تقنيات مختلفة مستخدمةً صفائح الزنك والنحاس بالإضافة إلى الحفر على الخشب والحفر بالماء. ولكونها رسّامةً غزيرة الإنتاج، سافرت إلى المملكة المتحدّة حاملةً دفاتر الرسم الخاصة بها. تَبرز موهبتها في الرسم في محفوراتها التي تتميز بدقة الخطوط والإحساس البارع بالتفاصيل. تصوّر العديد من أعمالها من تلك الفترة المساحات الحضريّة والمناظر الطبيعيّة، مثل "منظر طبيعي" لهايد بارك، من ضمن مجموعة متحف UCL للفنون في لندن، والتي فازت بها بجائزة "الحفر المعدني أو الحفر" في مدرسة سليد (1955). خلال فترة دراستها في مدرسة سليد، اعتُبرت حلمي "طالبة جديرة بالإعجاب"، وفقاً لملفها في أرشيف كليّة جامعة لندن.
في عام 1955، عادت إلى مصر لتبدأ مسيرة تدريسٍ امتدت لما يقارب 50 عاماً في "المعهد العالي للفنون الجميلة للمعلمات"، والذي تحوّل عام 1973 إلى "كلية التربية الفنية" في حي الزمالك بالقاهرة، والتي ألٌحقت منذ عام 1975 بجامعة حلوان. في عام 1963، تم تعيينها عضوةً فخريّة في "أكاديمية فنون التصميم في فلورنسا" بإيطاليا، وكان ذلك عند تسمية صفّ الحفر وبمناسبة مرور مئة عام على إنشاء الأكاديمية.
استقرّت حلمي في لندن من عام 1973 إلى عام 1979 بعد أن التحقت بزوجها عبد الغفار خلاف، عندما تم تعيينه ملحقاً طبيّاً للسفارة المصرية في المملكة المتحدة. في تلك الأثناء، واصلت تعلّيمها في فن الطباعة في "كلية مورلي" بلندن. تحمل بعض أعمالها التي أنتجتها بعد زواجها في عام 1957 الأحرف م. ك في إشارة إلى اسم زوجها.
وبينما واصلت الرسم، برزت حلمي كواحدة من أبرز فناني الطباعة في مصر، إلى جانب زميلتها مريم عبد العليم (1930–2010). لقد صورت الحياة اليومية في الخمسينيات والستينيات، خصوصاً حياة الطبقة العاملة. سافرت عبر البلاد موثّقة عمل الفلاحين والعمال ومشاهد السوق والتجمعات الشعبيّة. غالباً ما تتناول محفوراتها بالأبيض والأسود قضايا اجتماعيّة وسياسيّة، مثل توسّع الرعاية الصحية "العيادة الخارجية، 1958" وبناء السدّ العالي في أسوان. يُظهر العديد من تلك الأعمال حضور النساء في المجال العام ومشاركتهنّ في حياة البلاد، كما في "الانتخابات"، العمل المنجز عام 1957، أي بعد عامٍ واحدٍ من حصول المرأة المصريّة على حق التصويت والترشّح. تتضمن أعمال حلمي في بعض الأحيان عناصر نصيّة مثل الملصقات واللافتات في لوحة "الانتخابات". تعكس لوحاتها على هذا النحو اهتماماتها السياسية. على سبيل المثال، تُمجّد لوحتها "الموكب إلى العمل Procession to Work " (1957) الجهد الجماعيّ لتشييد الأمّة، عبر استخدام رموز دلاليّة متعلّقة بسنوات حصول مصر على الاستقلال. منذ النصف الثاني من الخمسينيات، وعلى نحو أبرز ابتداءً من الستينيات، عَرضت حلمي أعمالها على نطاق واسع في مصر والخارج، خصوصاً مشاركتها بانتظام في "بينالي ليوبليانا (يوغوسلافيا سابقاً) للفنون الغرافيكية"، حيث مضت مسيرتها المهنية في مسار منفتح على التعاون الفنيّ الدوليّ.
بعد هزيمة التحالف العربيّ بقيادة مصر أمام إسرائيل في حرب الأيام الستة (نكسة حزيران) عام 1967، يبدو أن حلمي لم تنجز أعمالاً فنيّة تذكر. في بداية السبعينيات، اتجّهت إلى التجريد، ومرة أخرى، تقاربت تجربتها مع تجربة جاذبية سري، والتي غيّرت أسلوبها في الرسم من التشخيصيّ إلى الهندسيّ بعد الهزيمة التي اعٌتبرت كارثةً من قبل المصريين وسائر العالم العربي. ومع ذلك، احتفظت تجريدات حلمي بقيمة سرديّة، وغالباً ما حملت خطاباً سياسيّاً حازماً. على سبيل المثال، رسمت عام 1971 "أطفال بحر البقر"، مصوّرةً ستة وأربعين طفلاً لقوا حتفهم عندما قَصف الجيش الإسرائيليّ مدرسةً في قرية قرب بور سعيد عام 1970. تمثل مجموعة من المستطيلات أجساد الأطفال، تعلو كلّ منها دائرة لتمثيل الرأس لكن من دون وجه. في العام ذاته، رسَمت حلمي لوحة "تبادل إطلاق النار" التي صوّرت المواجهة بين الجيشين المصريّ والإسرائيليّ عبر شبكة من الخطوط والنقاط. في السبعينيات، تعمّقت الفنانة هذه المفردات الشكليّة، إذ تُظهر دفاترها مدى دراستها لكلّ تركيب، ومهارتها في حساب موضع كل خطّ وفي اختيار الألوان. تُعدّ محفورة "الخط الأحمر" المنجزة بتقنية الحفر بالماء (1978) مثالاً واضحاً على دقّة تركيبات حلمي. فهي تقدّم صليباً مكوناً من أغصان سوداء تتفرع عن مربع أحمر مركزيّ. يبدو الشكل للوهلة الأولى بدائيّاً، لكنّه يتكون من طبقات من السطوح الحبريّة التي تشكّل تدرجاً من الصبغات الحمراء والرمادية، وحيث كلّ ظلّ درجة محدّدة بخط محيطيّ دقيق.
بعد أن نمّت اهتماماً بالعلوم، علوم الكمبيوتر وعلم الفلك وذلك خلال فترة استكشاف الفضاء، أنتجَت حلمي العديد من الأعمال التي تُحيل إلى الكون والتكنولوجيا، مثل محفوراتها التي تحمل عنوان "الصواريخ (الفضائية)" أو "الكواكب" (1976) وسلسلة "الكون" (حوالي عام 1974)، وكذلك لوحة "استكشاف الفضاء" الزيتية على قماش (1973). تسمح الدقة التقانيّة الكبيرة في أعمالها من هذه الفترة بمقارنتها بـالفن الملموس (كونكريت آرت)، مع أنّ الفنانة لم تصرّح أبداً بوجود صلة.
وضَعت حلمي توقيعها على آخر أعمالها الحفريّة عام 1983. بالرغم من استمرارها في التدريس حتى وفاتها عام 2004، اضطرت إلى التوقّف عن مزاولة المهنة عند تضرّر صحتها بسبب سميّة المواد الكيميائية المستخدمة في الحفر. أنشأت عائلتها للترويج لعملها وإرثها منصةَ "فنّ منحة حلمي" والتي تحتوي على مجموعة وأرشيف، وتروّج لأعمالها من خلال نشراتٍ ومقالات.


