السيرة الذاتية
مولوداً في حيّ باب الشريعة التاريخيّ في القاهرة عام 1931، كان عمر النجدي أحدَ أبرزٍ الفنانين الفاعلين في مصر ما بعد ثورة عام 1952. تقاطَعت أعمالُه في ذلك الوقت مع بحثٍ واسعٍ عن هويّة وطنيّة مصريّة جديدة خلال سنوات ما بعد الثورة. كان النجدي بوصفه فناناً ومعلّماً بمثابة شخصية تأسيسيّة في الحداثة النامية في مصر. استمرّ دوره المُنْتِج في الحياة الثقافية في مصر حتى القرن الحادي والعشرين.
بدأَ عمر النجدي دراستَه الفنيّة في المدرسة المصريّة للفنون الجميلة، حيث درسَ تحت إشراف الرسّام المصريّ أحمد صبري (1889–1955). تخرّج بدرجة البكالوريوس في الفنون الجميلة عام 1953. تَبعَتْ شهادته الأولى درجةُ بكالوريوس ثانية في الفنون التطبيقيّة من كليّة الفنون التطبيقيّة في القاهرة عام 1957. إضافةً إلى عمله الأكاديميّ في القاهرة، درسَ النجدي على نطاق واسع في الخارج. غادرَ مصر إلى الاتحاد السوفيتي عامَ 1959 لدراسة الخزف. بعدها، بدأ صفوفاً في أكاديميّة الفنون الجميلة في البندقيّة بإيطاليا بين عامي 1960 و1964 تحتَ إشراف الحداثيّ الإيطاليّ برونو سايتي (1902–1984). خلال وجودِه في إيطاليا، ارتبطَ بشكلٍ وثيقٍ بحلقةِ الرسام الإيطالي الحداثيّ جورجيو دي شيريكو (1888–1978) الطليعيّة، الذي كانَ بمثابة مرشدٍ مؤسّس. من ضمن دراساته في الخارج، درسَ النجدي أيضاً الفسيفساء في أكاديميّة الفنون الجميلة في رافينا بإيطاليا عام 1963 والفنون الغرافيكيّة في أكاديميّة جان فان إيك في ماستريخت بهولندا بين عامي 1968 و1969. جعلَ هذا التعليم المتنوّع من النجدي فناناً متمكّناً من العمل بوسائط متعددة.
انخرطَ النجدي بعد دراسته بشكلٍ كبيرٍ في تعليم الفنون في مصر. عملَ مدرّساً في كليّة الفنون التطبيقية بالقاهرة ابتداءً من العام 1957، وأصبح أستاذاً متفرّغاً في الجامعة عام 1967. كما عمل أستاذاً زائراً في الفن في جامعة الملك سعود في الرياض في المملكة العربيّة السعوديّة بين عامي 1982 و1988. بعد إنهاء زمالته الأستاذيّة في السعوديّة، عاد النجدي إلى جامعة حلوان حيث درّسَ هناك حتى عام 1991. إلى جانب عمله أستاذاً جامعيّاً، كان النجدي عضواً نشطاً من مجتمع الفنون في القاهرة.. تضمّن انخراطه التزاماً وثيقاً بالتعليم العام. وما بين عام 1971 و1974، عَملَ مخرجاً لسلسلةٍ تلفزيونيّة بعنوان "الفن وحياتنا" والتي صُمّمَت لتثقيف الجمهور المصريّ حول الإرث الفنيّ المصريّ وأعمال الفنانين المعاصرين. إلى جانب عمله على سلسلة "الفن وحياتنا" أخرجَ النجدي أيضاً أكثرَ من 30 فيلماً وثائقياً قصيراً عن حياة الفنانين المصريين، والتي بُثّت على شاشة التلفزيون العام.
ركّزت أعمال النجدي المبّكرة بشكلٍ أساسيّ على الرسم التشخيصيّ المستوحى من التقاليد الشعبيّة المصريّة. صوّرت لوحاته النابضة بالحياة مشاهدَ بأسلوبه للفلاحين (المزارعين المصريّين) والحياة الريفيّة والأحياء الشعبيّة في القاهرة القديمة، وذلك باستخدام ألوانٍ زاهيةٍ وأشكالٍ خطيّة متداخلة. تحوّل النجدي في الستينيات تحوّلاً لافتاً مبتعداً عن التصوير التشخيصيّ ومتجّهاً نحو التجريد. سمحَ له هذا التحوّل باستكشاف الصفاتِ التعبيريّة للخط والهندسة اللذَين كان قد بدأَهما بالفعل في أعماله التشخيصيّة. في ذلك الوقت، أخذَ الخطّ العربيّ يبرز بشكلٍ تدريجيّ في أعماله، مما وضع عمله في حوار مع حركة الحروفيّة الأوسع، التي تنامَت في جميع أنحاء العالم العربيّ وتركيا وجنوب آسيا. في أواخر السبعينيات وفي الثمانينيات، أنشأَ النجدي سلسلةً من اللوحات التي صوّرت التكرار المتواتر للحروف العربيّة من أجل تشكيل أنماطٍ جرافيكيّة جريئة. إن استخدام النجدي لأشكال الحروف المكرّرة مستقى بشكلّ خاص من ممارسة التفكير العميق في التأمّل الصوفيّ، ما يقرّب المرء من الإلهيّ عبر التكرار المتواتر.
بدلاً من الالتزام بأسلوب واحدٍ، عاد النجدي إلى إنشاء أعمالٍ تشخيصيّة مع الاستمرار في إنشاء تراكيب مجرّدة وتمثيليّة على مدار مسيرته. إلى جانب الرسم، طبّقَ النجدي عدداً من الوسائط والتقنيّات الأخرى من بينها الخزف والحفر والفسيفساء. على سبيل المثال، أنشأَ سلسلة طويلة من الأعمال النحتيّة التي نقَلَت الأشكال ذات الزوايا من أعمالِه المرسومة إلى أشكالٍ ثلاثيّة الأبعاد. ومع أن النجدي ارتكزَ بقوّة على تدريبه الفنيّ في أوروبا والنموذج التوليديّ للفنانين من أمثال دي شيريكو، إلّا أنّه كان ملتزماً بثبات بإشباع أعماله بروح التجذّر مع مصر. تتشابك أعمالُه مع عناصر بصريّة مستمّدة من العديد من المصادر: الفنَّين الفرعونيّ والإسلاميّ القديمَين والأيقونات القبطيّة والتقاليد الشعبيّة المصريّة.
عُرضت أعمال النجدي على نطاقٍ واسعٍ في مصر والخارج. أُقيمَ معرضُه الفرديّ الأوّل في المتحف المصريّ للفنّ الحديث بالقاهرة عام 1957 حيث عُرض من أعماله الرسم والنحت وأعمال الفسيفساء والخزف والزجاج الملوّن، مما أظهرَ بشكل حقيقيّ تعدديته الفنيّة. عُرضت أعماله في أكثر من 40 معرضاً فردياً أقيمَت في صالات عرضٍ في القاهرة وروما وبيروت ولندن وهولندا واليابان وفرنسا. كما تضمّنت معارض جماعيّة بارزة أعمالاً له، بما في ذلك معرض الفن الحديث الدوليّ في إيطاليا وإسبانيا عام 1961 ومعرض الفنّ المصريّ المعاصر الذي أُقيم في باريس عامي 1971 و1972. كذلك مثّل عمر النجدي مصر في العديد من البيناليات الدوليّة، بما فيها بينالي البندقيّة وبينالي باريس.