السيرة الذاتية
سعاد العطار هي شخصية محوريّة ضمن جيل الفنانين الذين قد تكونوا اعتماداً على أساس تعليميّ وضعه معلمو الفن المؤثرون من أمثال حافظ الدروبي (1914–1991) وفائق حسن (1914–1992). لم تكن فقط أحد أبرز فناني العراق، بل كانت أيضاً رائدة بمسيرتها التي امتدت على مدار ستة عقود. في عام 1957، أقامت العطار بالرغم من صغر سنها معرضاً كبيراً للوحاتها في مدرسة الأعظمية للبنات في بغداد، والذي نال إعجاب الفنانين الأسبق والأكثر شهرة ومن بينهم جواد سليم. بعد إنهائها المرحلة الثانوية، انتقلت العطار وزوجها إلى سان لويس أوبيسبو في كاليفورنيا، حيث التحقت بدروس الفن في جامعة ولاية كاليفورنيا. في أوائل الستينيات، انتقلت عائلتها إلى بغداد، حيث تابعت العطار دراستها الفنيّة في جامعة بغداد لتحصل على شهادة جامعية في الفنون الجميلة. عملت بعد ذلك مدرّسة في جامعة بغداد حتى عام 1975. بعد انتقالها إلى لندن عام 1976، أكملت العطار دراستها العليا في الحفر والطباعة في كلية ويمبلدون للفنون وكليّة لندن المركزية للفن والتصميم.
كانت فترة الستينيات في بغداد فترةَ زاخرة بالإبداع للعطار، حيث عرضت بانتظام وباعت أعمالاً باستمرار محققةَ اعترافاً واسعاً. في عام 1964، أقامت الفنانة معرضاً كبيراً في قاعة الهلال الأحمر في بغداد، لتصبح أول امرأة تقيم معرضاً فرديّاً في المشهد الفني في بغداد، حيث كانت المعارض الجماعية هي السائدة. بعد هذا المعرض البارز، أقامت العطار معرضاً في غاليري الواسطي للفن (1966) وفي نادي العلوية (1970) في بغداد. كما شاركت في العديد من المعارض الجماعية داخل العراق وخارجه.
بلغ إنتاج العطار الفنيّ أوجه في السبعينيات في وقت اكتسب فيه الفن العراقي شهرة عالميّة غير مسبوقة. كثيراً ما موّلت الحكومة الفنانين للسفر إلى الفعاليات الفنيّة الدوليّة، ودَعَت الفنانين الأجانب للمشاركة في المهرجانات والمعارض الفنيّة المحليّة. لعبت العطار دوراً بارزاً خلال تلك الفترة فعرضت أعمالها على نطاق واسع في بينالييات دولية، حيث حازت العديد من الجوائز، وتحديداً في بينالي لندن (1978) والقاهرة (1984) والبرازيل (1985) ومالطا (1995). كما شاركت العطار في بينالي العالم الثالث للفنون الجرافيكية في لندن عام 1980، والذي جمع فناني الحفر بالطباعة من مختلف الدول في استكشاف جماعي للوسيط.
تعيش العطار في لندن منذ عام 1976. تستقي أعمالها الإلهام من ماضي العراق الفلكلوري بما فيه الشعر العربي والتاريخ والأساطير. تظهر المخلوقات المجنحة والمركبة كموضوعات أساسية لدي الفنانة، مستحضرةً الثقافة البصرية الأشورية والسومرية. بعض التشكيلات الأخرى الشائعة مثل النخيل والخيول والطواويس هي دلالات على تأثيرات بلاد الرافدين وإسلام القرون الوسطى. لقد أصبحت هذه العناصر في المخيال الشعبي رموزاً قوية تمثل العراق نفسه، سواء في إشارة إلى الواقع أو إلى تصوّر نوستالجي عن الوطن. إضافة إلى ذلك، شكلت الأشعار الكلاسيكيّة والمعاصرة في المنطقة مصدر إلهام دائم لها. على سبيل المثال، قدمت ملحمة جلجامش القديمة من بلاد الرافدين خلفية أدبية لتفسيرات العطار البصرية في بناء القصة والشخصيات. كما رسمت الفنانة موازيات نصية بشكل واضح عندما خطَّت أبياتاً من الشعر على المشاهد والشخصيات أو حولها. وتتصف رؤيتها لماضي العراق وحاضره بكونها مشبعة بخصائص خيالية. تضم أعمالها مناظر طبيعية سوريالية ومخلوقات أسطورية وشخصيات ملحمية. كما أن بورتريهاتها مفعمة بقيم حُلُميّة. تستحضر الطبيعة المتخيلة للوحات العطار حكايات خيالية من الأيام الماضية وتنقل المشاهد إلى فضاء من عالم آخر. تنبثق شخصياتها أحاديّة اللون من مناظر طبيعية خلّابة أو من خلفيات معمارية أثيريّة. تحدق هذه الشخصيات بالمشاهد وتدعوه إلى المشاركة في حكاية ملحمية مشبعة بالانفعالات وكأن الجمهور هو المفسر النهائي للمشهد الملغّز.
بدافع من حساسيتها الجرافيكيّة، يتصف الكثير من أعمالها باستواء السطوح والخطية والرمزية، ويتميز بتصميمات نقشيّة تطفوا بين الشخصيات البشرية والحيوانية وتؤطّرها. تلعب الأنماط والزخارف دوراً محورياً في تركيباتها، ما يعزز فكرة تأثر أسلوبها بالاستناد إلى المنمنمات الإسلامية. يُقرأ هذا التأثر أيضاً عبر استخدام العطار خطوط أفق عالية، ومساحات معمارية متعددة الطبقات، ومخططات لونية نابضة، وعناصر طبيعية مصغرة تشبه النسيج.
إن تأويلات العطار للشعر والفنون الشعبية ذاتية للغاية وتستحضر عالماً داخليّاً من الخيال والمشاعر. يتميز فنها بخصائص تأملية، على الرغم من أنه يمكن (بل ويجب) أن يرى ضمن تقاليد الفن العراقي الحديث التي دشّنتها شخصيات مثل فائق حسن (1914–1992) وجواد سليم (1919–1961). لقد طوّرت العطار مجموعة شخصية من الرموز التي تكشف عن تفاعل حميم مع موضوعاتها من خلال الاستكشاف الذاتي والتذكّر. استوحت العطار هذه الرموز من ذكريات طفولتها، متضمنةَ الذهب لتمثيل قباب المدينة والأسماك لدجلة والديك للحياة في العراق، وكلها تذكر بالوطن. في الواقع، إن مزج العطار بين عالم الأحلام والواقع تحوّليّ، يسهم في فهم غيبي للتراث الثقافي العراقي الغني مثلما يظهر عبر منظار الفنانة الذاتي العاطفي. تواصل أعمال العطار الحديثة توظيف هذه القيم الخيالية الانفعالية، مدرجةَ الواقع الوطني الحالي بشكلٍ أكثر مباشرة، ومستكشفةً ومعبّرةً عن الآلام التي يعاني منها العراق منذ التسعينيات.
تتوفر أعمال العطار في مجموعات خاصة وعامة، منها المتحف البريطاني والمتحف العربي للفن الحديث في الدوحة. وكذلك أدرجت أعمالها في اللائحة الحمراء للمتحف العراقي الوطني للفن الحديث، بعد نهبها من المتحف في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 2003.