نبذة
زارينا هاشمي فنانة هنديّة المولد، تأثّر عملها بشكل عميق بتقسيم الهند عام 1947، الذي غرس فيها شعوراً مدى الحياة بالمنفى والنزوح. أصبحت تلك التجارب الموضوعات الرئيسية لفنها المينماليّ، الذي استكشف مفاهيم الوطن والذاكرة والحدود والانتماء. على الرغم من حصولها على شهادة في الرياضيات، إلا أن زارينا تدربت تدريباً دوليّاً مع خبراء في فن الطباعة. عملت بشكل أساسيّ على الورق المصنوع يدويّاً، وأنشأت مطبوعات وكولاج ومنحوتات تميّزت بالتحيّز للهندسيّة والتردّد العاطفي العميق. كانت اللغة الأرديّة والشعر الأردي أساسييّن في ممارستها، وغالباً ما تم دمجهما في أعمال بارزة مثل «home is a Foreign Place الوطن مكان أجنبيّ » (1999). على الرغم من أنها عرضت أعمالها لعقود، إلا أن التقدير الدولي الكبير جاء في وقت متأخر من حياتها المهنية، متجليّاً من خلال معرض استعادي عام 2012 ومشاركتها في أوّل جناح هندي في بينالي البندقية عام 2011. توفيت في لندن بعد مضاعفات مرض الزهايمر.
السيرة الذاتية
وُلدت زارينا هاشمي (واسمها عند الولادة رشيد) عام 1937 في المدينة الجامعية لعليكرة، في الهند التي كانت خاضعة للحكم البريطاني. كان والدها الشيخ عبد الرشيد أستاذاً في التاريخ في جامعة عليكرة الإسلامية وشغوفاً بالبستنة. كانت لوالدتها فهميدة بيجوم حديقة في جناح النساء في دارهم الرحبة. أمضَت زارينا طفولة شعريّة مع إخوتها ونشأَت محاطةً بالكتب والشعر في جوّ محفّز للفكر. أصبح هذا المنزل وهذه الحديقة محوريّان في عمل زارينا، ليس كبُنىً فحسب، وإنما أيضاً كوعاء للعواطف والذاكرة والأمان والشعور بالانتماء والهويّة. كان عام 1947 كارثياً، فقد انتهى الحكم البريطانيّ، وتشكّلت الهند وباكستان وباكستان الشرقية (بنغلاديش الآن) وسطَ أعمال عنفٍ كارثية مبنية على اعتباراتٍ دينيّة. أفضى استقلال الهند البريطانيّة إلى تقسيم الحدود شرقاً وغرباً، ما أدّى إلى نزوح ما بين 15 و20 مليون شخصٍ من الهندوس والمسلمين. وقد قُتلَ قرابة مليونيّ شخصٍ، مما جعلها الهجرة الأكثر دمويّةً في تاريخ البشريّة. كانت زارينا الطفلة، بل اللاجئة، شاهدةً على العنف والهجرة. في البداية تمّ إرسالها مع إخوتها إلى دلهي، ثم انتقلوا إلى لاهور في باكستان. عندما عادت إلى الهند مع والدها كان كل شيء قد تغيّر نهائيّاً. لن يفارق زارينا الشعور وكأنها تعيش في المنفى، وسوف تعكس أعمالها هذا الشعور دوماً.
انتقل باقي أفراد عائلتها إلى كراتشي في باكستان عام 1959، وتزوجت هي في الحادية والعشرين من عمرها بسيّد هاشمي، وهو دبلوماسي هندي، ولم ينجبا أطفالاً. أتاح لها السفر تعلّم صنعة الفنّ، وكان عليها أن توفّق بين ممارسة فنيّة مزدهرة، وواجبات زوجة الدبلوماسيّ. عاشا في بانكوك ونيودلهي وباريس وبون. وهي بمفردها عاشت في كل من طوكيو ولوس أنجلوس وسانتا كروز ونيويورك. أمضت زارا العامين الأخيريين من حياتها في لندن.
حصلت زارينا على درجة البكالوريوس في الرياضيات، ولم تلتحق بمدرسة الفنّ، بل درسته مع أساتذة الطباعة التقليديين. بدأت رحلتها كفنانة في عام 1958، وتعلّمت الطباعة الخشبيّة في بانكوك. عاشت زارينا أوائل الستينيات وبين عامي 1968 و1974 في نيودلهي، وكانت لها علاقات وثيقة مع الهنود الحداثيين مثل طيب ميهتاو ومقبول فدا حسين، وفاسوديف إس جايتوند. كما عرفت أيضاً نَسرين محمدي المولودة معها في العام ذاته والتي كانت أيضاً بارعةً في التجريد والمينماليّة.
شاركت زارينا في ورشات عمل مع الفنانين من أمثال غلام محمد شيخ وبوبين كاكار. وقد كانت عضوة ناشطة من مجتمع الفنانين في نيودلهي، حيث أقامت أول معرض فرديّ لها عام 1968. عندما أمضت بضع سنوات في باريس من العام 1964 حتى 1967، انضمّت إلى مدرسة الفن والاستوديو "Atelier 17"، حيث درست تقنية الحفر على المعدن (intaglio) مع ستانلي ويليام هايتر.
كانت تلتقي بانتظام بفنانين هنود عاشوا في باريس مثل كريشنا ريدي وسيد حيدر رضا وأكبر بادامسي. وفي بون في ألمانيا، تعلّمت الطباعة بالشاشة الحريرية. في عام 1974، سافرت إلى طوكيو ضمن إطار زمالة مع مؤسسة اليابان، والتي كانت محطّة هامة في تدريبها الفنيّ، ولقد مدّدت إقامتها، المقرّرة لأسبوعين، من أجل قضاء عامٍ في اليابان. تدرّبت زارينا في استوديو توشي يوشيدا وعملت مع الأب جاستون بوتيه والذي كان محترفاً الطباعة وكاهناً دومينيكانياً من كندا. كانت تلك أوقاتاً مزدحمة على نحو لافت، حيث كان لديها عملَيْن وكانت تخوض تجارب الطباعة. أثّرت اليابان بشكل عميق على ممارساتها الفنيّة على صعيد التقنيات والمواد، وساعدت في تطوير أسلوبها الفريد. في عام 1975، انتقلت زارينا إلى لوس أنجلوس. كانت تتمتع بوعي سياسيّ وتبنّت القضية النسويّة بفاعليّة، شاركت في المسيرات حيث كانت في كثير من الأحيان المرأة الملوّنة الوحيدة، وقد ناضلت من أجل المطالب ولخلق مكانة للنساء في الفن. بعد وفاة سيّد هاشمي على نحو مفاجئ عام 1977، اختارت زارينا البقاء في الولايات المتحدّة واتخذت من نيويورك موطناً لها. ظلّت المدينة قاعدتها الأساسيّة لسنوات، وذلك على الرغم من خوضها معركةً قانونيّة استمرت لمدّة عامين من أجل الاحتفاظ بالاستوديو الخاص بها.
عكسَت محفظة "الوطن مكانٌ أجنبيّ Home is a Foreign Place" عام 1999 هذا التهديد بفقدان المنزل أو الموطن مرّة أخرى، وهو عبارة عن مجموعة من 36 مطبوعة خشبيّة تتأمل في عناصر ودلالات المنزل. كانت زارينا أيضاً معلّمة، وهي مهارة ورثتها عن والدها حسب اعتقادها. في التسعينيات درست في معهد نيويورك للفنون النسويّة، جامعة نيويورك للفنون النسويّة، جامعة كالفورنيا، سانتا كروز وعملت كعضوة هيئة تدريس زائرة في العديد من المؤسسات الرفيعة من ضمنها جامعة كورنيل، إيثاكا، الولايات المتحدة الأميركية.
كانت لغة الأوردو عنصراً أساسيّاً في عمل زارينا. حيث نشأت وهي تتحدث وتقرأ وتحفظ قصائد اللغة الأورديّة. ولطالما استشهدت في مقابلاتها وأعمالها بشعراء مثل الرومي (1207–1273) وميرزا غالب (1797–1869) وفايز أحمد فايز (1911–1984).
حضرت الحروفيّة الأورديّة باستمرار في عملها. على سبيل المثال، يبدأ عمل "الوطن مكان أجنبيّ" الشهير بكلمة تتشارك المساحة مع الصورة. لقد تفكّرت في الشعر وأفكار الوطن وتجربة النزوح والروحانيات والأشكال الطبيعيّة.
ورغم أن زارينا عاشت وعملت في الخارج معظم أوقات حياتها المهنيّة، فإنها كانت على دراية بسياسة شبه القارّة الهنديّة ومنخرطة فيها، على أساس دينيّ بالدرجة الأولى، استجابةً لقصص الخسارات المؤلمة، وإعطاء صوت لضحايا التقسيم. وتجاوبت مع المذابح الدينيّة الحديثة وأزمات اللاجئين في آسيا وأوروبا، فأنشأت أعمالاً مثل "الروهينجا: عائمون على بحر الظلمات Floating on the Dark Sea" (2015) و"خلف السياج Behind the Fence" (2017).
وكونها كانت تسافر باستمرار بين البلدان في حياتها الواقعيّة وتتعامل مع ذلك، تحوّلت البيروقراطيّة الوحشيّة والخرائط والحدود إلى استعارات بصريّة، وهي مواد عادت لها مراراً خلال مسيرتها. من خلال أعمال فنيّة معبّرة مثل "خط الفصل Dividing Line" (2001) و"الهاوية Abyss" (2013) ربطت زارينا موضوعات الخسارات الشخصيّة مثل الوالدين، والوطن، ولغتها، مع فن الرسائليّة epistolary، موجدةً مرتكزات للانتماء وسط الوحدة العميقة والعزلة. شكّلت رسائل شقيقاتها قاعدةَ لواحدة من أشهر مجموعاتها: "رسائل من الوطن Letters from Home" (2004). استخدمت زارينا الألوان بشكل مدروس، تاركةً في معظم الأحيان الألوان الطبيعيّة في تضادّ مع الحبر القاتم. في السبعينيات، استخدمت الحبر الأبيض والخيوط، مما أدى إلى ظهور انطباعات فاهية على الورق. غالباً ما ميّز التقشّف المتعمّد خيارات زارينا للمواد، لكنها وظفّت أيضاً مواد باهظة الثمن مثل أوراق الذهب بهدف تحقيق تأثير قويّ. وعملت بشكل أساسي على الورق المصنْع يدويّاً القادم من الهند واليابان ونيبال وغيرها من الأماكن، محافظةً على ملمسهاً ومتنبّهةَ إلى أهمية المادّة التاريخيّة ومرونتها.
على الرغم من اشتهارها بمطبوعاتها، صنعت الفنانة كولاجاتٍ ومنحوتات. ومع ذلك، بقي الورق محوراً أساسيّاً في ممارساتها: فنحتته وقطعته وجمعته باللصق ونقشته (باستخدام أغراض متعددة) وحفرته وطوته. قطّعت الورق لإنشاء "بيت الظلّ Shadow House" (2006)، وصنعت كولّاجات متنوعة عبر السنين، بما فيها "عشرة آلاف شيء Ten Thousand Things" بين عامي 2011 و2014، وواصلت العمل بالكولاجات الورقيّة حتى أواخر عام 2018.
وبينما كانت تتنقل بين الوسائط، استمرّ انشغالها واستكشافها الهويّة، وفضاء الانتماء، والوطن، والأمان، والتنقل. بالإضافة إلى الورق، الذي اعتادت صبّه لصنع المنحوتات، عملت أيضاً بالألومنيوم والبرونز والقماش والحديد الصلب، والطين المشوي والقصدير والأسلاك والخشب، وغالباً ما كانت تعيد استخدام المواد وتعيد تدويرها. تعكس منحوتاتها مثل "منزل على عجلات House on Wheels" (1981) و"ذهبتُ في رحلة I went on a Journey" (1991) الأشكال المعماريّة، وتتحدث عن حياتها المتجوّلة وعن الهجرة ضمن سياقٍ واسع. كما استكشفت الروحانية، خصوصاً الفكر الصوفي، والماديّة من خلال منحوتة من مسبحة صلاة كبيرة بعنوان "تسبيح Tasbih" (2001) و"نور Noor" (2008).
عندما أخذت دروساً في الطيران في نيودلهي، لاحظت من طائرتها الشراعيّة وأثناء تحركها ببطء وعلى ارتفاع منخفض (على غير الطائرة العاديّة) نصب "سافدرارجونج Safdarjung"، حديقة جنائزيّة تعود إلى القرن الثامن عشر، مراقبةً المخططات ومتفحّصةً خرائط المنطقة. جاءت منحوتة "سجلّ الطيران Flight Log" (1987) مستوحاةً من السجل الذي كان مطلوباً منها الاحتفاظ به من أجل التأهل للحصول على رخصتها للطيران. يظهر هذا المنظور "الجوّيّ" دوماً كعنصر قوّة في أعمالها، وخاصّة التي تتعلّق بالخرائط ومخطّطات الطوابق للمنازل. كانت منحوتاتها ومطبوعاتها المتقشفّة في الشكل، مشحونةً بمعان ثقافيّة وسياسيّة: كان عمل زارينا مينماليّاً وعالميّاً، حتى عندما تعلّق بأماكن وثقافات محددة.
بدأت زارينا بعرض أعمالها في الستينيات، وفازت بجائرة الرئيس (الهندي) للطباعة عام 1967. وعلى الرغم من مشاركتها في المعارض الدوليّة منذ السبعينيات، لم تأتِ شهرتها والاعتراف بها عالميّاً إلّا في أوائل القرن الحادي والعشرين. كانت من أربعة من فنانين ومجموعات فنيّة دُعيت للمشاركة في أول جناح وطني للهند في بينالي البندقيّة عام 2011. أُقيم معرضها الاستعادي الأوّل "ورق مثل الجلد Paper Like Skin" في متحف هامر في لوس أنجلوس عام 2012، والذي انتقل إلى غوغنهايم ونيويورك ومعهد شيكاغو للفنون في العام التالي.
في عام 2020، عندما أدى الوباء إلى توقّف العالم كليّاً، أقامت زارينا معرضين أساسيّين: "زارينا، حياة في تسعة أسطر A Life in Nine Lines" في متحف كيران نادار للفنون في نيودلهي الهند، ومعرض استعادي: "زارينا: أطلسُ عالمها Atlas of Her World" في مؤسسة بوليتزر للفنون في سانت لويس ميسوري في الولايات المتحدة الأميركيّة. في عام 2012 عُرضت ثلاثة أعمال كبيرة لزارينا في معرض "تتبّع الطيف المفقود Mapping the Lost Spectrum" في غاليري بوندول للفن في مومباي كجزء من عرض ثلاثي يحتفل بالذكرى الخمسين لغاليري سيمروزا. عرضت زارينا أعمالها في بومباي مع بوندول عام 1970، وسيمروزا عام 1986. وكان لها تعامل طويل الأمد مع شوكندي آرت في كراتشي، وغاليري اسبايس في نيودلهي، وغاليري جان بوشه يوجيه في باريس ولورينج أوغسطين في نيويورك. أعمالها موجودة في مجموعات بارزة مثل المكتبة الوطنيّة في باريس، CSMVS في مومباي، غوغنهايم في نيويورك، متحف المتروبوليتان للفن في نيويورك، متحف الفن الحديث في نيويورك، تيت مودرن في لندن، متحف فيكتوريا وآلبرت في لندن، وغيرها.
في وقت تطالب كل من الهند وباكستان والولايات المتحدة وجميع المدن التي عاشت بها بانتماء زارينا إليها، كانت هي منتمية إلى الفن، وكانت هويتها تتجاوز الجنسية والدين. وعلى حدّ تعبيرها فإن اللغة الأورديّة هي موطنها. لقد قاومت أي تصنيف مقيّد لفنّها أو لها شخصيّا. توفّيت زارينا هاشمي في لندن محاطةً بعائلتها في الخامس والعشرين من أبريل 2020 جرّاء مضاعفات مرض الزهايمر.

