السيرة الذاتية
كانت خديجة رياض قد استُبعدت بشكل غير منصف من التوثيق التاريخي، بالرغم من أنها كانت حقيقةً في قلب المجموعة الأولى من الفنانين الذين مارسوا التجريد التصويريّ في مصر في الخمسينيات، وأوّل امرأة عملت بهذا الأسلوب. وُلدَت عام 1914 في وسط صفوف نخبة مصريّة طالبت بالقيادة السياسية والاجتماعية والفكريّة ضمن النضال في سبيل تقرير المصير الوطني، كان جدّها أحمد شوقي (1868–1932) شاعراً شهيراً في اللغة العربية الكلاسيكية المُحدثة ومعروفاً باسم أمير الشعراء، وأحدَ رموز حركة النهضة المصريّة. تعرّفت رياض في شبابها على تعاليم "جماعة السوريالية" الأساسيّة أو "جماعة الفن والحرية" المستقلّة في القاهرة، وتقاطع اهتمامها اللاحق بتجريد ما بعد الحرب مع أعضاء سابقين آخرين في المجموعة بمن فيهم رمسيس يونان (1913–1966) وفؤاد كامل (1919–1999). برزت كفنانة متمكّنة في العقد الذي تلا الاستقلال الوطني وقد حظيت المدرسة التجريدية التي ترتبط بها رياض اليوم بأكبر قدر من التقدير في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، أو عندما شرعت الدولة الناصرية بتكثيف تطوير منصّات وطنيّة رفيعة السويّة مثل بينالي الإسكندرية (تأسّس عام 1955).
من المرجّح أنّ تعرّف رياض على جماعة "الفنّ السرياليّ والحرية" في القاهرة جاء عبر شقيقتها إقبال العلايلي (؟ – 1984)، التي يعود تاريخ ارتباطها العاطفيّ مع المؤسّس المشارك للجماعة جورج حنين (1914 – 1973) إلى العام 1939. تصوّر الأعمال التي وصلتنا من تلك الفترة شخصياتٍ هجينة جزء منها إنسان وآخر من شجرة أو من نباتات الأعماق المائيّة، وهو عنصر مشترك مع فنانين آخرين ممن عرضوا مع "الفن والحرية". على سبيل المثال، تظهر في سلسلة "الفتاة والوحش" لإنجي أفلاطون (1924–1989) أشجار مجسمنة ذات أطراف متشبّثة وسط مشهدٍ ملتهب ما بعد قيّاميّ، في حين أظهرت رؤى فؤاد كامل السوداويّة من الفترة ذاتها أطرافَ نساءٍ وخيولٍ متشابكة وفروعاً يابسة تكافح للخروج من الأرض المحيطة بها. وبالمثل، أنتج كلّ من إريك دي نيميس (مواليد الأربعينيات) وإيمي نمر (1898–1974) مشاهد أعماقٍ مائيةٍ لأشكال أو جثث عالقة بتشابك مع نباتات قاع المحيط. لقد استمرّت صور "التشابك" في أعمال رياض لفترة طويلة حتى بعد ابتعادها عن الموضوعات السورياليّة الصريحة.
بين عامي 1950 و1954، وهي الفترة التي غطّت انقلاب الضباط الأحرار، أو ثورة عام 1952، درَسَت رياض في مشغل القاهرة للمهاجر الأرمني والرسام النوعيّ البارز أشود زوريان (1905–1970، ولد في كيراسوند بأرمينيا ثم الإمبراطورية العثمانية).
في أواخر الخمسينيات، جرّبت رياض سلسلةً من الأساليب التجريديّة والرمزيّة. اتخذ أحد تلك الأساليب التكعيبية كنقطة انطلاق، ونزعَ نحو الاقتصار على مجموعة الألوان الأساسيّة وإلى تداخل الأشكال الهندسية المتوضّعة على أرضيّة ملونة. تظهرُ هذه الأشكال في بعض اللوحات في بنيةٍ منفصلةٍ أو كشبكة في الطبقة الأولى. في لوحات أخرى، يذكّر التكرار الإيقاعيّ للأشكال بتجربة الموسيقى أو الرقص. بحلول أواخر الخمسينيات، كانت الطبقات اللونيّة المنفذّة بالسكين المسطّح والفرشاة تذكّر بالجدران القديمة المغطاة بالأوساخ والشحوم والدخان أو الشرائح غير المستوية من الألوان الناتجة عن تقشير الطلاء. يتقاطع العديد من هذه الأعمال لوحات من خلال التكوينات المنتبذة من المركز مع أعمال ما بعد الحرب للفنان البُقعيّ وولز (1913–1951). في تلك اللوحات، كانت رياض تخلط الألوان الجاهزة مع العناصر العضويّة، مثلاً من خلال الجمع بين أكسيد الزنك ورمال البحر الأحمر في كثير من الأحيان لإنشاء لون بنيّ محمر أو لون سيينا الترابي. كان كلّ من الجبس ونشارة الخشب أيضاً من العناصر التي أضافتها الفنانة إلى ألوانها. في بعض الأحيان، كانت رياض تنقضّ على لوحاتها مباشرة بالفرشاة وسكين الرسم، وتخطّ خطوطاً باستخدام الدبابيس وشرائح الخشب.
في أوائل الستينيات، بدأت رياض بصناعة المجوهرات باستخدام ما أسمته "خرز المومياء" الذي كانت تجده متناثراً في الرمال بالقرب من المقابر المصريّة القديمة، إضافة إلى مواد محلّيّة أخرى. يذكر مقالٌ من عام 1964 عن الفنانة بعضاً من تلك المواد بما فيها: "اللآلئ الفرعونيّة، وفيروز تل العمارنة، والخرز الزجاجي القزحي البطلمي، والفيروز الفارسي، والخرز الزجاجي المذهّب الإسلامي، وخرز خان الخليلي الزجاجي، والحليّ النوبية الشعبية مثل المرجان والعقيق وغيرها من الحجارة." إن استخدامها هذه المواد يذكّر باهتمام السوريالييّن الباريسييّن والمصرييّن بالسحر و"الشعوذة" المصريّة القديمة على وجه الخصوص. عرضت رياض نماذج من مجوهراتها في القاهرة، والدار البيضاء، ونيويورك، وأوساكا.
في عام 1959، شاركت رياض في معرضين بارزين كانا بمثابة إعلان بزوغ عدد هام من الفنانين الذين عملوا بشكل أساسيّ ضمن مسار تجريدي: معرض "نحو المجهول" (يناير 1959) ومعرض "المجهول لا يزال" (أبريل 1959). مثّلت تلك المعارض وبشكل استعاديّ أوج التوجّه نحو التجريد الذي نشأ من انخراط مجموعة الفن السريالي والحرية ما بعد الحرب في "التلقائيّة" (الأوتوماتيزم). وفي هذا المنحى، صدرَت مجلة بعنوان La Part du Sable في فبراير 1947 تحت رعاية جماعة "الفن والحرية" وكان محررها جورج حنين، وكانت مخصّصة للفن والكتابة التلقائيّين متضمّنةً مساهمات من يونان وفؤاد كامل وسامي رافع وحسن التلمساني. كان هنري ميشو (1899–1984) مساهماً وشريكاً لحنين وهو الشاعر والفنان البلجيكي المولد المرتبط بحركتيّ البقعيّة والفن اللاشكليّ (أو غير الرسميّ) في باريس، والذي تعود تجاربه التلقائيّة وجلسات الإنتاج الفنيّ، المغذاة بواسطة عقار المسكالين، إلى الفترة ذاتها.
لقد ساعدت الصلات التي ربطت السريالية في مصر في أواخر الأربعينيات في تمهيد الطريق لاستكشاف جديد للرسم التجريدي في فترة أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات على يد رياض وزملائها ومن ضمنهم يونان وكامل وحسن. على النحو ذاته، فإن تجارب يونان في أواخر الأربعينيات بتقنية الترسيم (ديكالكومانيا) – وهي تقنية فنية يتم فيها تطبيق الطلاء أو الحبر أو أي مادة أخرى على سطح ما، ثم يتم ضغط قطعة من الورق عليها لاستخراج نسخة – قد استبقت استخدام رياض لهذه التقنية في الستينيات والسبعينيات.]صورة [ تمتّعت معظم هذه الأعمال اللافتة بمسحة ذهبيّة حيويّة، في حين تذكّر المناظر النجمية البيضاء الموجودة في لوحاتٍ أخرى بصور الأقمار الصناعية للفضاء السحيق أو الصور التي ينتجها المجهر.
يجمع أحد أشهر أعمال رياض بين المجازات الكلاسيكيّة للرسم المصري والخطاب القوميّ – الفلاحة والفن المصري القديم– مع اهتمام بالتجريد والفن اللاشكليّ. اختُزلت صورة المرأة الفلاحة الملثّمة واللوحات الجدارية المصرية القديمة الظاهرة في الخلفية إلى عناصرها التأسيسية الأوليّة: كان وضوحها كأشكال مهدداً في بعض الأحيان بالاختفاء في التجريد التام. فازت تلك اللوحة لرياض عام 1962 بالجائزة الأولى في مسابقة فنية برعاية الدولة خُصّصَت لموضوع "العمل في الحقول": كانت لحظة عابرة من التوفيق بين التصوير في خدمة القضية القوميّة والميل نحو اللاشكل.